Ma'shuq Foundation

Ne şêx bû, ne jî bi tenê pîrozmendekî me bû, têkoşerê evînê bû, xweşik mîna giyan û zelal mîna eşqê bû. Çîroka me ji me re şirove kir, em fêrî evînê, silavê kirin û em fêrkirin em dê çawan welat di maçekê de kurt bikin. Em fêrkirin em dê çawan şehîdên xwe bi stiranan rapêçînin. Şêxê me bû, hevalê me yê ku me jê hezdikir û hezdikin, bû. Şehîdê biyan, şehîdê dastana hişê me yê nû, hevalê me yê ku tembînameya me bi destê xwe nivîsand û hetahetayê nemir. Em hr tem  di salvegera  jiyana wî de silavekê lê dikin!
لم يكن شيخا، ولم يكن قديسا فقط ، كان داعية للحب جميلا مثل الروح ونقيا كالعشق شرح لنا الحكاية ،علمنا كيف نحب ،كيف نصافح ،كيف نختزل الوطن في قبلة ،كيف نلف الشهيد بالاغاني ،كل ذلك كان مولانا الشيخ ،رفيقنا الذي نحب ،الشهيد الغريب ،الصديق الذي كتب وصيتنا ولم يمت.  نحييه في كل ح¡

قاضينا مثله لا يأفل نجمه

الشهيد القاضي محمد
(1901 ـ1947 م )
الدكتور مرشد معشوق الخزنوي
قاضي لا اتصور كرديا يعلم القليل عن مظلوميته ، الا ويعرف هذا الاسم ، قاضي امام عادل ، وعالم زاهد ، ومتعبد ورع ، أنه القاضي محمد بن القاضي علي بن قاسم بن ميرزا أحمد رئيس جمهورية كردستان التي كانت عاصمتها مهاباد ، ولد في مدينة مهاباد سنة 1901 م .

القاضي محمد من الشخصيات الكردية المثيرة للاهتمام حقاً ، فقد كان الرجل يتمتع بثقافة كبيرة ، فضلا عن شخصيته الساحرة التي تولد المحبة والتعاطف مع من يقابله ، ويتصف الرجل بعلميته وتبحره في أمور الشريعة والفقه الاسلامي والدين ، واتقانه اللغة العربية والتركية والفارسية والفرنسية والالمام باللغة الانكليزية والروسية ، زيادة على لغته الأم الكردية .
و كان يتميز ببساطة شخصيته وتواضعه وشجاعته وايمانه العميق بحقوق شعبه في الحياة ، وضرورة النضال من أجل تحقيق هذه الحقوق المشروعة .
 وبالرغم من انحدار القاضي محمد من أسرة متمكنة ماديا وغنية في المنطقة ، وساهم ذلك في أن يجعله مثقفاً ومتعلماً من النوع المتميز بين أقرانه ، الا أن ذلك لم يدفعه ليكون مغروراً أو مبتعداً عن مهمات شعبه ونضاله من أجل تحقيق حلمه المشروع .
كان القاضي محمد يتميز بعلاقاته المتميزة بين أوساط الفقراء والمعدمين ، وبساطته في تلبية حاجاتهم ، ومساعدتهم في قضاء بعض أشغالهم ومصاعبهم وحل مشكلاتهم .
 وكان حريصاً على الاستماع اليهم ،والرد على أسئلتهم الدينية والمتعلقة بالشريعة والقضاء وفي جميع مناحي الحياة العامة .
وكان يؤكد دوماً على ضرورة تمتين الروابط بين الكرد ، وضرورة أن يضحي الكردي في سبيل دينه وحقوقه القومية المشروعة مهما عظمت التضحيات .

وانتشرت دعوة القاضي محمد بين الناس انتشاراً سريعاً مثل البرق ،وتوسعت القاعدة الشعبية لأعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في المدينة لتحتوى أغلب شبابها وشيوخها وحتى نسائها ، وأمام حالة رد الفعل لما تقوم به السلطات القمعية الفارسية تجاه الكرد ، ومع وقوع حوادث سياسية وأمنية استفزت الجماهير الكردية لتنتفض برمتها على القوات الايرانية ، وتستطيع السيطرة على مجمل المناطق كاملة يوم 17 كانون الأول 1945 ، فسطرت قوات البيشمركة الكردية أروع الملاحم وقصص البطولة في التصدي والثبات حتى يمكن تسمية هذا اليوم بيوم (البيشمركة ) .
وتحركت القيادات السياسية الكردية بما يتناسب مع الوضع الراهن ، وسيطرت على الوضع، وبدأت تحركات سياسية وتقسيمات عسكرية بعد دراسة الظروف الاقليمية والدولية التي كانت صعبة ومتشابكة للغاية ، بالنظر لمخلفات الحرب العالمية الثانية والتقسيمات الدولية الجديدة ، وانقسام العالم الى معسكرات عدة ، وتعدد المصالح فيما بينها .
 قيام الجمهورية 
وبتاريخ 22/1/1946 تم اعلان قيام جمهورية كردستان ، وأصبحت مدينة مهاباد عاصمة للجمهورية الفتية .


وأمام العالم ووسط أكبر ساحة من ساحات العاصمة (ساحة جوار جرا ـ القناديل الأربعة) تم انتخاب القاضي محمد كأول رئيس للجمهورية الكردستانية ، وكان حاضراً هذه الاحتفالات المهيبة وفود من جميع أطراف منطقة كردستان .ولكن الجمهورية الفتية ذات الحكم الذاتي لم تعمر طويلا ، فقد تخلى الرفاق الحمر عن دعمهم لها ولقيادتها لما اقتضت مصالحهم النفطية ذلك ،فضلا عن الضغوطات الأمريكية والبريطانية على القيادة السوفيتية بضرورة انسحاب الجيش السوفيتي من شمالي ايران .
عندما زار آرجي روزفلت جمهورية كردستان كتب... يستغرب الإنسان من شيء واحد هو ذلك الجو الديمقراطي الحر الموجود في مهاباد..... إذ لم يكن في كردستان سجين سياسي واحد.

ووضع نشيد وطني للجمهورية وهو ( أي رقيب ) من كلمات الشاعر الراحل يونس رؤوف دلدار، ولحنه المهندس نوري صديق شاويش، ومن منجزات الجمهورية أيضاً أصبحت اللغة الكردية لغة رسمية في البلاد، ونشرت صحف ومجلات كثيرة باللغة الكردية  منها جريدة كردستان، وصدر منها مئة وثلاثة عشر عدداً، وهوارى كرد ( صرخة الكرد ) و هوارى نشتمارن ( صرخة الوطن )، والمجلة الأدبية هلالة Ker u kale mendalen kurd( غنين الطفل الكردي )،

نهاية الجمهورية :
تداخلت المساومات السياسية مع خيوط اللعبة الدولية ليتم تخلي جميع الدول وانسحاب الجيش الأحمر من المناطق القريبة ، وخلو الساحة للجيش الايراني الذي تفرغ للاجهاز على الجمهورية الناشئة ، ليطبق عليها بأنيابه ومخالبه ، وتقدمت جحافل الجيش الايراني الجرارة بقوة تقدر ب 120 ألف جندي مدججة بأنواع الأسلحة العسكرية المتطورة حينها لمواجهة شعب لم يكن يملك سوى ارادته وتصميمه على الكفاح .
وعلى مشارف الجمهورية كان يمكن للقاضي محمد أن ينسحب ويتوارى عن الأنظار ، وكان يمكن له أن يتخلى عن مبادئه وأفكاره لينزوي في داره يتابع مطالعاته والتنعم بالحياة مع أسرته، وكان من الممكن أن يساوم العدوان الايراني ، وكان وكان ، حتى ان المقربين منه والمحيطين به اقترحوا عليه النجاة بنفسه فأجابهم :"كيف لي أن أفرّ وأترك الشعب في هذه الظروف ليواجه مصيره وقد أقسمت أن أدافع عنه حتى آخر قطرة من دمي ؟ " لقدآثر البقاء لمواجهة القوة الايرانية ، مسجلاً بذلك ليس صفحة شجاعة ومشرقة في سجله الشخصي والعائلي ، انما سجل صفحة أخرى من صفحات البطولة والاصرار على الثبات والدفاع عن الحقوق التي يؤمن بأحقيتها ومشروعيتها.
وتم القبض على القاضي محمد مرفوع الرأس مبتسماً بمهابة واجلال واقتيد الى سجون الجيش الايراني ليتم تقديمه الى المحكمة العسكرية الاستثنائية ، وهو الرجل المدني الذي لم يخالف القوانين العسكرية ، الا أن شموله بحالة الطواريء والحرب جعله يتقدم الى هذه المحكمة بدفاع ليس عن نفسه انما عن قضية الشعب الكردي يفحم بها قضاة المحكمة ، مفنداً جميع الاتهامات الموجهة له .


نهايته :

كان من الطبيعي أن يصدر الحكم بالموت على البطل الأسطوري والفقيه الزاهد والمتعبد القاضي محمد ، وقد تلقاه القاضي برباطة جأش وثقة عالية بالقدر والمصير المحتوم ، وبشجاعة تنمّ عن ثقته بربه وقضائه وقدره ، وبما يشكله موته من فائدة كبيرة لشعبه الذي يعاني من الاضطهاد والحرمان والظلم .
وفي يوم 30 مارس 1947 اقتيد البطل الى الساحة التي شهدت قيام الجمهورية الكردستانية نفسها ( ساحة القناديل الأربعة ) . وفي فجر ذلك اليوم البائس بعد أن أدى صلاة الفجر تم شنقه ،ليسجل اسمه في سفر الخلودً مع الشهداء الخالدين والمدافعين عن قضايا شعوبهم ،وعن حق الانسان في الحياة الكريمة .

الوصية الأخيرة للشهيد قاضي محمد رئيس جمهورية کوردستان قبل إعدامه‌

ترجمها عن الکوردية : محسن جوامیر

يا أبنائي وإخوتي الأعزاء.!
يا إخوتي الذين هضمت حقوقهم .! 
يا شعبي المظلوم ! 

ها أنا ذا في اللحظات الأخيرة من حياتي، أقدم لكم بعض نصائحي: 


• تعالوا أناشدكم بالله أن لا يبغي بعضكم على بعض.. توحدوا وتعاضدوا.. اثبتوا أمام عدوكم.. لا تبيعوا أنفسكم لعدوكم بثمن بخس.. وإنَّ تودّدَ عدوكم لكم محدود، وينتهي حين تتحقق أهدافه.. فهو لا يرحمكم أبدا، ومتى وجد الفرصة واستنفدت أغراضه، فانه ينتقم منكم لا محالة ولا يعفو عنكم ولا يرحم.

• إن أعداء الكورد كثيرون، هم ظلمة، مستبدون ولا يرحمون.. وعلامة وطريق نصر أي شعب أو امة، يكمن في وحدتهم وإتحادهم، وكذلك في المناصرة، وإلا فهم يرزحون تحت وطأة المتجبرين.


أيها الشعب الكوردي !
لستم بأقل من أي شعب على وجه البسيطة، إنما انتم في الرجولة والشهامة والقوة متقدمون على كثير من الشعوب التي تحررت.. فالشعوب التي تخلصت من قبضة المستبدين، هم أمثالكم، ولكن اولئك كانوا متحدين.. كفتكم العبودية.. وإن تحرركم مرهون فقط بالوحدة ونبذ الحسد ورفض العمالة للأجنبي ضد شعبنا.

إخوتي!


• لا يخدعنكم العدو.. فعدو الكورد عدو ايا كان لونه وجماعته وقومه.. لا شفقة له ولا ضمير، ولا يرحمكم، ويوقع بينكم الفتنة والتقاتل، ويثير بينكم الأطماع.. وعن طريق الخدعة والأكاذيب، يُحرضُ بعضَكمْ ضد بعض.

• والعجم هم أعدى أعداءكم، فهم أكثر ظلما وألعن وأكثر فسقا وأقل رحمة من الجميع.. لا يتورعون عن إقتراف أي جريمة بحق الشعب الكوردي.. وهكذا كانوا دائما، فالبغض والكراهية متأصلان فيهم طوال التأريخ ولحد اللحظة.

• أنظروا كيف تعاملوا مع زعماء شعبكم، بدءاً ب " إسماعيل آغاي شكاك " وإنتهاء بأخيه جوهر آغا وحمزة المنكوري وآخرين كثر.. لقد خدعوهم جميعا، حيث تعاملوا معهم بالمرونة واللين في البداية، ومن ثم فرقوا جمعهم وشملهم، وأخيرا قاموا بكل خسة ودناءة بتصفيتهم.. لقد خدعوهم بأن أقسموا لهم بالقرآن، وأوحوا إليهم بأن نية العجم تجاههم صافية وانهم يحسنون صنعا معهم.

• ولكن وا أسفاه على سرعة تصديق الكورد الذين إنخدعوا بيمين وعهود العجم التي قطعوها لزعماء الكورد، وكل ما قطعوه لم يتجاوز حدود الكذب والخداع.

• لذا، أناشدكم وكأخ صغير لكم بالله، وأقول : إتحدوا ولا تتفرقوا.. وتيقنوا بأن العجم لو منحوكم العسل، فانهم يدسون السم فيه.

• لا يخدعنكم قسم وعهود العجم.. فإنهم لو حلفوا يمينا وبالقرآن ألف مرة ووضعوا أيديهم عليه ووعدوكم، حينئذ تأكدوا بأنهم يريدون خيانتكم ومخادعتكم.


ها أنا ذا في اللحظات الأخيرة من حياتي، أنصحكم لله.. أقول لكم بأن ما كنت قادرا على فعله قد فعلته، والله أعلم.. لم أقصر في تقديم النصائح وتبيان الطريق الصحيح.. والآن وفي هذا الوقت والحال، أعيده عليكم واطالبكم بألا تنخدعوا أكثر بالعجم ولا تصدقوا حلفهم بالقرآن ولا بعهودهم وعقودهم، لأنهم لا يعرفون الله ولا يؤمنون به ولا برسوله ولا بيوم القيامة ولا بالحساب والكتاب.. وما دمتم كوردا، فانكم في نظرهم مجرمون ومحكومون، حتى لو كنتم مسلمين.. من اجل ذلك، فإن رؤوسكم وأموالكم وأرواحكم مباح وحلال بنظرهم، ويعتبرون كل ما يقومون به ضدكم هو غزوة.

ما كنت أتمنى أن أغادر الحياة واترككم وأنتم تعانون من ظلم هؤلاء الأعداء الحاقدين.. لقد فكرت كثيرا في ماضينا ورؤساءنا الذين خدعهم العجم باليمين والكذب والحيل ومن ثم ألقوا القبض عليهم وبالتالي قتلوهم.. وقد حدث هذا بعد أن عجزوا عن هزيمتهم والإنتصار عليهم في معارك البطولة ولم يصمدوا أمامهم، فاقدموا وعن طريق الكذب والإحتيال والدجل على خداعهم وبالتالي قتلهم.

أنا أتذكر كل ما حصل لأولئك الزعماء، ولم أثق في يوم ما بالعجم.. وقبل أن يعودوا إلى هنا، وعن طريق الرسائل والتوصيات وإرسال شخصيات كوردية وفارسية، وعدوا وعاهدوا كثيرا ومن دون أي وفاء بهما بأن دولة العجم وعلى رأسها الشاه تريد لهم الخير وليس في نيتها أن تسقط قطرة دم واحدة في كوردستان.. وها أنتم الآن ترون بأم أعينكم نتائج الوعود التي قطعوها.. ولو أن رؤساء القبائل والعشائر لم يخونوا ولم يبيعوا أنفسهم للعجم، لما حصل لنا ولكم ولجمهوريتنا ما حصل.

نصيحتي ووصيتي لكم هي:
أن تحثوا أبناءكم على طلب العلم، فإننا لسنا بأقل من الشعوب الأخرى ولا ينقصنا شئ غير العلم.. تعلموا، حتى لا تتأخروا عن ركب الشعوب.. فالعلم لدى عدوكم هو سلاحه القاتل في وجهكم.
تأكدوا لو أنكم إتفقتم وإتحدتم وأوليتم العلم إهتمامكم، فانكم سوف تنتصرون على أعداءكم نصرا عزيزا.
لا ينبغي أن يُحبطكم ويقضي على عزيمتكم مقتلي ومقتل أخي وأبناء أعمامي، لأنه ومن أجل أن تصلوا إلى آمالكم وأهدافكم، يجب أن يقدِّم الكثير من أمثالنا التضحيات من أجلها.. وأنا على يقين بأن هناك الكثير من الآخرين الذين سوف يُقضى عليهم بالحيل والنفاق.

انا على قناعة بأن هنالك الكثير من الذين هم اعلم وأقدر منا، سوف يقعون في شرك وخداع ومؤامرات الأعاجم.. لكنني آمل أن يكون مقتلنا درسا وعبرة للمخلصين من أبناء الشعب الكوردي.

لدى نصيحة أخرى وهي :
ان ترجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون نصيركم ومعينكم في نضالكم من أجل هذا الشعب.. حينئذ أكون على ثقة بانه سوف يمدكم من عونه.

قد تسألونني لماذا لم أنتصر وأفز ؟! وعند الجواب اقول لكم : والله لقد إنتصرت وفزت.. أي نعمة وأي نصر وفوز اكبر من أن أفدي برأسي ومالي وروحي في سبيل شعبي ؟!
تأكدوا بأن مطلبي في الحياة كان أن اموت موتة تجعلني وأنا أواجه الله والرسول وشعبي وقومي، مرفوع الرأس.. إن هذه الموتة هي نصر لي.

أحبائي !
كوردستان هي بيت الجميع.. كما أن كل فرد في البيت يقوم بعمل محدد فيه ولا يحتاج الأمر أن يتدخل الآخر في شأنه، وكذلك الأمر مع كوردستان، فإن مثلها كمثل البيت.. عندما تعرفون بأن عضوا في هذا البيت بإمكانه القيام بعمل ما، دعوه ليعمل، وليس هناك داع ومسوغ لوضع العوائق أمامه او تكتئبوا وتأخذكم الغيرة لكون أحدكم تحَمَّل المسؤولية الكبرى.. لأنه حينما يتحمل شخص ما عملا عظيما ويديره، يعني هذا أنه عالم به ويحمل على عاتقه مسؤولية عظمى أمام هذا الواجب.

تأكد بأن الكوردي أفضل لك.. والعدو يحمل البغض والكراهية في قلبه.. ولو لم اكن أتحمل مسؤولية كبيرة على عاتقي، لما كنت الآن واقفا تحت حبل المشنقة.. لذا يجب ان لا يستبد بكم الطمع تجاه بعضكم.

الذين لم ينفذوا أوامرنا، لم يقتصروا فقط على عدم التنفيذ والطاعة فحسب، إنما عادونا أيضا.. وبما أننا إعتبرنا أنفسنا خداما لشعبنا، فهم الآن في بيوتهم وبين أولادهم، ينامون وهم مرتاحوا البال.. لكننا بسبب كوننا خداما لشعبنا، ها نحن الآن واقفون تحت حبل المشنقة، وأنا بصدد إنهاء آخر لحظات حياتي بهذه الوصية.. ولو لم أكن أتحمل المسؤولية الكبرى، كنت أغط الآن في نوم عميق.

وهذه النصيحة التي اقدمها لكم، هي أيضا من إحدى المهام التي على عاتقي.. وانا على يقين بأنه لو كان هناك شخص آخر تحَمّل مسؤولياتي، لاصبح هوالآن في مكاني تحت حبل المشنقة.

وأنا الآن ومن أجل أن أرضي الله وطبقا للمسؤولية التي على عاتقي، وككوردي خادم للشعب ومن اجل العمل الطيب ( الأمر بالمعروف ) قدمت لكم بعض النصائح.. أرجو ان تاخذوا منها لاحقا العبر وان تنصتوا إليها تماما، على أمل أن ينصركم الله تعالى على أعداءكم :
١. أن تعتقدوا بالله و ( بما جاء من عند الله ) وتعبدوه، وتؤمنوا برسوله
(صلى الله عليه وسلم ) ويكون أداؤكم للفرائض الدينية قويا ومتينا.
٢. احفظوا وحدتكم وإتفاقكم في صفوفكم.. لا تقترفوا الأعمال المشينة تجاه بعضكم، ولا
تكونوا طماعين ولاسيما عند تسلم المسؤولية.
٣. إجتهدوا في رفع مستوى الدراسة والعلم ودرجة تحصيلكم، حتى لا تنخدعوا بالعدو
كثيرا.
٤. لا تثقوا بالأعداء، لاسيما العجم، لأنهم يعادونكم بأشكال مختلفة، فهم أعداء شعبكم
ووطنكم ودينكم. والتأريخ أثبت بأنهم يبحثون عن كل ذريعة للإيقاع بكم، ويقتلوكم لأدنى
سبب ولا يتورعون عن القضاء على الكورد بتاتا.
٥. لا تبيعوا أنفسكم للعدو طمعا في بقاء زائل في هذه الدنيا الدنية، لان العدو هو نفس
العدو ولا يمكن الإعتماد عليه.
٦. لا يخن بعضكم بعضا، لا في السياسة ولا في الأرواح ولا في الأموال ولا في
الأعراض.. لأن الخائن ذليل ومجرم عند الله والناس، والمكر السئ يحيق بصاحبه في
الأخير.
٧. لو أن أحدا منكم تمكن من أداء اعمالكم، فتعاونوا معه، ولا يجعلنكم الإستئثار والطمع
أن تقفوا ضده أو لاسامح الله أن تتجسسوا عليه لصالح العدو.
٨. المذكور في وصيتي هذه، هو من أجل صرفه على المساجد والمستشفيات والمدارس..
عليكم أن تطالبوه جميعا وتستفيدوا منه.
٩. لا تتوقفوا عن النضال والدأب والجهاد، حتى تتحرروا كباقي الشعوب من نير
الأعداء.. لا قيمة لمال الدنيا.. لو أصبح لكم وطن وإمتلكتم الحرية وأصبحت أموالكم
وأرضكم ووطنكم لكم، عند ذاك يمكن ان يقال بأنكم حقا أصحاب أموال وثروة، وكذلك
أصحاب دولة وعزة.
١٠. ما أظن أن لأحد علي حق، سوى حق الله.. ولكن لو أن أحدا يعتقد أن له عليّ حق،
فإنني تركت ثروة كبيرة، فليذهب إلى الورثة ويأخذه منهم.
ما دمتم غير متوحدين، فإنكم لن تنتصروا.. لا يظلم بعضكم بعضا، لأن الله يقضي على الظالم بأسرع وقت ويخزيه.. وهذا وعد الله من دون زيادة أو نقصان.. الظالم سوف يسقط ويخزى، والله ينتقم من ظلمه.

آمل أن تأخذوا بنصيحتي، وأن ينصركم الله على الأعداء، وأقول كما قال الشيخ سعدي:
مراد ما نصيحت بود و كوفتيم
حوالت با خدا كرديم و رفتيم
يعني:
كان قصدنا مجرد نصيحة وقلنا
وسلّمنا الأمر لله وذهبنـــــــــــا

خادم الشعب والوطن
القاضي محمد


القرآن لا يحارب اوربا ، فهل أنتم منتهون يا مسلمون ؟


 الدكتور مرشد معشوق الخزنوي
منذ العقد السادس من القرن العشرين ، وأوروبا تشهد موجات متعاقبة من الهجرة من الدول الإسلامية لاسباب اقتصادية او سياسية او انسانية  ، وبما أن الدين الاسلامي ذو ثقافة تعايشية عالمية تجد دمجا كبيرا بين الاسلام كدين وثقافات الشعوب المتعددة والمتنوعة المعتنقة للاسلام  الى درجة الذوبان ، بحيث يصعب على المسلم البسيط الذي لم يتخصص في دراسة الاسلام ان يفرق بين ما هو من تعاليم الدين الاسلامي وبين ما هو من المورث الشعبي لقبيلته او قوميته ، وعندما يمموا نحو اوربا مهاجرين ومغتربين حملوا معهم الارث كاملاً ، بدينه ومورثه الشعبي ، وطبيعي ان ينتاب الموروث الشعبي المحمول الخطأ والزلل ، ولانه ينظر الى ذلك بقدسية الاسلام فهو لا يفرق بين الاسلام وبين الموروث الشعبي ، وهذا ما شكل له عائقا للاندماج في الحياة الجديدة ،  وعدم قدرة على التواصل بشكل سليم مع السكان الاصليين ، ولجهله بتعاليم ومقاصد الإسلام وأحكامه تراه يُمارس أخطاءً باسم الدين ، وباسم الالتزام بتعاليم الدين، والدين من ذلك كله براء ، كقضية العنف والإرهاب،  وختان الانثى ، وحدود الحجاب،  وحقوق المرأة وغير ذلك،  وتطبيقه من خلال بعض التصرفات الشاذة والغير مسؤولة من أفراد مسلمين، فكل فئة جاءت من بلادها جاءت بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها التي غطاها بغطاء الدين .!
هذه الحالة حدى بالسكان الاصلية لهذه البلاد الى اعتبار الأقلية المسلمة هي المسؤولة الأولى عن كل ما يحدث من تخريب و إرهاب ، وترى أنها تشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع الغربي، فهي  مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي ، وللأسف الشديد أن الغرب يظن أن هذه تعاليم إسلامية، وهي ليست إلا موروثات وتقاليد اجتماعية لذلك المسلم المهاجر كل حسب المجتمع الذي هاجر منه،  وهي ليست من الإسلام بشيء ، لذلك صار واجبا على الجالية المسلمة أن توحد جهودها، وتتخلص من تلك العادات التي ليست من الإسلام، ويركزوا على النقاط الإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن ثمة دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع؛ ليقدموا صيغة طيبة ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام، فهم رسل للإسلام في هذه البلاد.
وعلى المسلم عموماً والمهاجر خصوصاً أن يعلم كما علمه الاسلام أن الإنسان بين واجب وحق، بين ما له وما عليه، فمن عرف واجبه وحقه فهو عادل، ومن عرف حقه وتجاهل واجبه فهو غافل، ومن عرف واجبه وتجاهل حقه فهو فاضل، ومن واجباتنا نحن المسلمين في النرويج [ على اعتبار اقامتي فيها والامر يعم جميع البلاد ] أقول من واجيباتنا بالاضافة الى تديننا والتزامنا باسلامنا واخلاق نبينا  وكل ذلك حق وضروري وواجب لا بد منه ، لكن في نفس الوقت فإن الاسلام يدعونا الى التعرف على وجباتنا تجاه مكرمين اثنين والعمل به ،  هذان المكرمان هما الانسان النرويجي [ الاوربي عموما]  والدولة النرويجية [ او الاوربية ]  .

اما واجب المسلم تجاه المواطن النرويجي [ او الاوربي ] فو أمران إثنان: 
الأمر الأول :  هو الاحترام  والتكريم ، فالقرآن الكريم وضع قواعد واضحة للعائلة البشرية، وأعلن الإسلام أن الناس جميعاً خلقوا من نفس واحدة، وهذا يعني وحدة الأصل الإنساني، وينظر الإسلام لهم على أنهم سواسية كأسنان المشط ، كلهم له الحق في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز، فهم أبناء العائلة الإنسانية قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، وما اختلاف البشرية في ألوانها، وأجناسها، ولغاتها، إلا آية من الآيات الدالة على عظيم قدرة الخالق تعالى كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، وهذا الاختلاف ليس مَدْعاة للتنافر والتناكُر، بل هو سبب للتعارف والتعاضد والتعاون على الخير والبِرِّ والتقوى؛ كما تَحدَّث عنه القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
ولذلك يعلمنا القرآن احترام الانسان لانسانيته وبغض النظر عن معتقده بل لانها نفس بشرية تستحق التكريم والاحترام ، ويظهر هذا جلياً عندما مرت جنازة من أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقام واقفا احتراما لها  ، فقال بعض الحاضرين: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فنظر النبي محمد عليه الصلاة والسلام  إليهم وقال: (أوَليست نفساً). فاذا كان احترام الانسان قيمة عظيمة وهوميت ، فكيف به وهو حي اعايشه! ،  وذلك لا يتأتي الا بحسن الخلق والاسلام يأمر أن يتحلى المسلم بالخلق الحسن والتعامل الجميل حتى مع غير المسلمين فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام يقول : { أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا } رواه ابو داود وابن حبان عن ابي هريرة ، و قال أيضاً : {أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيارهم خيارهم لنسائهم } رواه احمد عن ابي هريرة .

الأمر الثاني :  وهو ايضا تجاه الإنسان النرويجي [ الاوربي عموما] هي ضمان حقوقه وعدم  الاعتداء على نفسه وماله ،فالقران يعلمنا ان لا نأكل الحق وأن لا نبخس الناس أشياءهم، و يأمر المسلمين أن يؤدوا الحقوق إلى أربابها، ويأمرهم بالعدل حتى مع غير المؤمنين برسالة الاسلام، يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].
كما أن الاسلام يأمر بوجوب الوفاء بالعهود والعقود، وأن الغدر محرم ، ومن لم يلتزم بعهده ومن ينقض هذا العهد من المسلمين ويؤذي الآخرين فقد رضي ان يكون في في جماعة النفاق . 
قال عليه الصلاة والسلام : { أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ} أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو  .
والمولى سبحانه يامرنا بذلك فيقول: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل:91] ، وقال سبحانه: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾ [ الإسراء:34].

 والنبي محمد عليه الصلاة والسلام كان خير من يتعامل بحسن الخلق مع الناس حتى مع جيرانه من اليهود الذي كان يسكنون بجوار منزله ولذلك كان يقول : قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) رواه الترمذي ،كما ان الاسلام يأمر ان لاينكر صنائع المعروف و ان نعترف بالجميل والمعروف، أو الثناء عليه وعلى فاعله بالخير حتى ولوكان صاحبه غير مسلم ، ولا يخفى ولا ينكر أن الكثير منا كان في بلاده خائفا جائعا طريدا ملاحقا فأجارتنا هذه الدولة ومنحتنا حقوقا لم نحلم بها في دولنا الاساسية وهذا يحثنا على عدم انكار هذا المعروف وخير ما نرد به عليهم جميلهم إن لم نكن مصادر عطاء وخيرا في دولتهم فلما نكون مصادر للعنف والقلق .
            وبناءً على ما تقدم فإننا نصل إلى النظرة الاسلامية الصحيحة وهي: أن من يدخل إلى هذه البلاد عن طريق طلب اللجوء أو التأشيرة سفر فإنه يوجد بينه وبين أهل هذه البلاد عهد أمان يحرم عليه ترويعهم أو الاعتداء على أنفسهم أو أموالهم أو أي شيء من حرماتهم، وأيما امرئٍ لا يراعي ذلك ولا يحافظ عليه فهو غادر بالعهد والأمان، وواقع في كبيرة من الكبائر، والاسلام منه براء
واما واجبنا تجاه الدولة النرويجية [ الأوربية عموماً ]  وترابها ، والتي يصح اطلاق الوطن عليها تباعا أمران ايضا : تحصين ودفاع، ووفاء وبناء.
أما التحصين والدفاع : فأن نكون مدافعين عن دولة النرويج باعتبارها وطننا لنا . فلئن كانت إماطة الأذى عن الطريق منزلة كبيرة من منازل الإيمان كما يقول النبي محمد عليه الصلاة والسلام  فإن دفع الأذى ودفع العدو عن بلادنا من أعظم شعب الإيمان، فكونوا ايها المسلمون في وطنكم الجديد خير مدافعين عن الوطن ومحصنين له ، لأن واجبكم نحو الوطن هو التحصين والدفاع، دافعوا عن أوطانكم، دافعوا عن النرويج .

الواجب الثاني نحو الوطن النرويجي : الوفاء والبناء، لا يكفي أن ندافع عن الوطن أمام المعتدي الآثم، ولا يكفي أن نكون اعيينا ساهرة على الارهاب والترويع ،  لا يكفي أن نميط الأذى عن الطريق، ولكن علينا واجب آخر: أن نساهم في بناء أوطاننا وبناء الوطن عبادة بل هو من أشرف العبادات إن مساهمتنا في جعل الصناعة تنمو في بلدنا فنحن نعبد الله ، إن ساهمنا في تطور مدارسنا فنحن نعبد الله، إن طورنا كل ما يمكن أن يسمى فرعاً أو جزءاً من الوطن فنحن نعبد الله، لأن واجبنا نحو الوطن بناء، نريد أن نبني أوطاننا، نريد أن نجعل من أوطاننا أوطاناً رفيعة عالية متينة مبنية قائمة على أرجلها وسوقها قوية عزيزة أبية نريد أن يتنبه أبناء الأوطان هنا وفي كل مكان إلى هذا.         
و ينبغي علينا جميعا أن نحرص على بلادنا (النرويج بالنسبة لنا) أنها بلادنا التي نحبها ونسعى لخدمتها وصالحها العام. وننميها وندافع عنها.
وعلى أبناء الأقلية المسلمة أن يجتهد ويمتلك من المؤهلات التي تعينه ليلعب دورا بارزا في خدمة المجتمع وبنائه وأن لا يوقفه عن طموحه هذا أي شيء ، وأن ينظر بثقة إلى المستقبل ولايتردد في المطالبة بحقه وفرصته المتكافئة مع كل مكونات المجتمع طالما أنه مؤهل لتلك الفرصة ،وينبغي أن ندافع عن هذا الحق بالوسائل التي يتيحها لنا القانون وهي كثيرة فنحن في دولة القانون والحريات والديمقراطية التي يقع مبدأ تكافؤ الفرص على رأس أولوياتها. كما نقول للجهات المسؤلة في هذا البلد إن الحديث عن الاندماج  والعيش في داخل المجتمع لايمكن أن يتأتى إلا من خلال شعور المواطن أي مواطن مهما كان لونه أو أصله أو ثقافته اودينه  أنه محترم في هذا البلد وأن حقوقه محفوظة يتساوى بها الجميع فذلك هو مفتاح الاندماج الحقيقي وتلك هي الخطوة المطلوبة والتي يحتاج كل مواطن أن يلمسها بشكل واضح.
وليحفظ الله النرويج

ما الحب في عيد الحب

الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

اليوم تزدهر تجارة الورود الحمراء ، وتعج الاسواق بالدببة الحمراء ، وتتزين الاسواق وتكتسي باللون الاحمر احتفاء بيوم الحب في الرابع عشر من فبراير .
وهو يوم في خلفيته التاريخية يمتد الى القرن الثالث الميلادي ، حيث كانت الديانة المسيحية في بداية نشأتها، حينها كان يحكم الإمبراطورية الرومانية الإمبراطور كلايديس الثاني، الذي حرم الزواج على الجنود حتى لا يشغلهم عن خوض الحروب، لكن الكاهن والقس (فالنتاين) تصدى لهذا الحكم، وكان يتم عقود الزواج سراً، ولكن سرعان ما افتضح أمره اعتقل وحكم عليه بالإعدام إلا إن ترك المسيحية وعاد لديانة الرومان الوثنية ، إلا أن (فالنتاين) رفض هذا العرض وآثر النصرانية فنفذ فيه حكم الإعدام يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ، ومن يومها أطلق عليه لقب "قديس"، واتخذت بعد ذلك الكنيسة الكاثوليكية يوم الرابع عشر من فبراير عيدا ، أسموه عيد القديس (فالنتاين) إحياء لذكراه ، لأنه فدى النصرانية بروحه وقام برعاية المحبين، وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الورود الحمراء وبطاقات بها صور (كيوبيد) الممثل بطفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً، وهو إله الحب لدى الرومان كانوا يعبدونه من دون الله!!وقد جاءت روايات مختلفة عن هذا اليوم وذاك الرجل، ولكنها كلها تدور حول هذه المعاني.

ولن اخوض في النظرة الفقهية الى هذا العيد او اليوم ، وهل يعتبر هذا اليوم يوم ديني في ديانة غيرنا ، وحكم المشاركة في ذلك ، فهذا امر اشبع بحثا واستدلال ، لكنني سأقف اليوم عند الحب .

الحب هذه القيمة النبيلة السامية التي تتسع مفاهيمها لتشمل كل شيء ، بل السعادة كل السعادة مرتبط بالحب ، هذا الحب الذي تم تقزيمه وتصغيره حتى بات مختصراً لحالة الهيام والعشق بين شاب وفتاة ، مع أن الحب اوسع من حالة الهيام بين ذكر وانثى ، فأعظم درجات الحب تلك التي يرتبط فيها العبد بخالقه ومولاه وكل حب بعد ذلك ناتج عنه او متفرع عنه .
حب النبي صلى الله عليه وسلم ، حب الوالدين ، تحابب الرجلين في الله ، حب الوطن ، وحب الزوجة ، حب الخطيبة ، وحب الولد ، كلها درجات من الحب تتفرع عن محبة الله .
والنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على إظهار مشاعر الحب هذه ، ولذلك يروي الامام احمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله عز و جل }.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر أن الإيمان ملازم للقلب العامر بالحب كما اخرجه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا ادلكم على شىء إذا فعلتموة تحاببتم ، افشوا السلام بينكم )) .
وروى الامام مالك عن أبي إدريس الخولاني أنه قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله فقال ألله فقلت ألله فقال ألله فقلت ألله فقال ألله فقلت ألله قال فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الامام البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه يعدد النبي صلى الله وسلم الاصناف السبعة الذي سيستظلون تحت عرش ربنا يوم لا ظل إلا ظله ومنهم { رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه } .
إذاً فالمشكلة  الاساسية إننا ضيقنا مفهوم الحب ، وأخرجناه من معانيه الواسعة الجميلة النبيلة ، الى حالة يرسم فيها قلب كبير احمر اللون ، ومغروز فيه سهم يخرج من طرفه الاخر ، وتسيل منه بعض نقاط الدم ، تعبير عما بين شاب وفتاة من الوجد.
الحب والعشق ، أكثر كلمة ربما تتردد على لسان الشباب والبنات ، ولربما لن تجد شاب او فتاة إلا ومشغول بالحب ، وتحمل في قلبها أو قلبه مشاعراً يخفونه عن محيطهم ، فيصيرون كما نقول .. حبيبة .. حبيبة من أيام المدارس، وحبيبه بالجامعات، وحبيبة بعد الجامعات ، وتتغير احوالهم وطباعهم ، واذا حدثتهم يقول لك: أنا لا املك ، الأمر ليس بيدي .. ويقول لك: قلبي حبها ، وهي تقول لك: قلبي حبه ، تعبيرا عن أنه أمر خارجي لا تقاومه الإرادة .

وهنا علينا أن نطرح السؤال حتى نبحث عن رضا ربنا ونبتعد عن محرماته ، فهل هذه المشاعر والأحاسيس الذي يختلج قلب الفتاة والفتى حلال ام حرام ، وسرعان ما تأتي الإجابة بأنه أمر محير ، محير لأن مفهوم الحب غير واضح ، وليس الحبيبة متفقون عليه ، والقاعدة الفقهية تقول [ الحكم على الشيء فرع عن تصوره ] وما دام الحبيبة غير متفقين على معنى الحب علينا أن نقوم بالبحث والاستقصاء ،  فما هو المقصود بالحب؟ .

 كنت أتصوّر أن حالة الحب التي يعيشها المحبون من الفتيان والفتيات إنما تنشأ عن قضية غريزية ينتج عنها حالة من الصفاء والسلام النفسي ، والاستمتاع بنظرة متفائلة للحياة وللمستقبل ، ويتولد من التفاعل بها قوة دافعة من النشاط المستمر والعمل الدءوب والسعي في الأرض وعمارة الدنيا ، للوصول إلى إتمام حالة الحب وتتويجها بالارتقاء إلى قمة الحب ، ألا وهي تحقيق الزواج.
هذا على الأقل ما كنت أتصوره ، وما عشته أنا شخصياً.. ولكن وللأسف فالحقيقة الصادمة أن الحب لغالب الفتيان ما هو إلا حالة من اللعب والهزل، وفرصة لتضييع الوقت والتفاخر بعلامات الرجولة بأن هذه التي استعصت على الجميع صارت فتاته ، بينما هو للقليل من الشباب حالة جادة من مقدمات اختيار الزوج زوجة المستقبل .

صحيح أن الحب أمر فطري الأصل ، لا يتعارض مع طهارة النفس وعفتها ، ولكن الواقع  المعاش يقول أن الذي يمارس اليوم تحت اسم الحب لا علاقة له بالحب .

 صحيح أن الحب هو إحساس قلبي ووجداني لا يمكن أن يعيش إنسان بدونه ، ولكن الغالب المشاهد والملاحظ على أرض الواقع ، كما هو معلوم في  زماننا الحالي تشوية مفهوم الحب كما كل المفاهيم شوهت ، فإذا ما ذكر الحب اليوم يتبادر الى الذهب مباشرة مشاهد الحب المزيف والغرام بين شاب وفتاة كما تصورها لنا الافلام ، مشاوير وانفراد تحت ظل شجرة معتمة وغزل وقبلة وهمسة ، وحرام في حرام لأن الحب اليوم أصبح استغلال عواطف وهذا ما يتعارض مع العفة التي امرنا الشرع بها .

وهنا آتي الى الحكم الشرعي فأقول : القاعدة أن الإسلام يحدد مراحل للحب حتى يكون حلالاً مباحاً ، تبدأ بالتعارف والميل القلبي ، ثم الخطبة ، ثم عقد القرآن والزواج .

لذلك اقول ، الإسلام لا يتهم ولا يدين كل أصناف الحب ، إنما يتهم ويدين فقط ذلك النوع الذي ينشأ ويستمر في الظلام !!! ، وكل ما ينشأ في الظلام يختنق ولا ينتهي إلا في ظلام أشد منه .

الإسلام لا يمانع الحب ، لأننا كما اتفقنا الحب شعور انفعالي تجاه الآخر بالارتياح ، وليس شعوراً إختيارياً ، بمعنى أن الحب لا يسعى إليه الإنسان فيقول أنا قررت أن احب ، فيبدأ في البحث عنها ويبدأ في معاكستها ومغازلتها ، لا ، الحب يأتي اليك ، ولا تستطيع أن تذهب أليه .

والإسلام كما هو معلوم يربط الأوامر والنواهي بما في وسع الإنسان ، فبالتالي الحب حلال ، وهي نعمة جميلة يضعها الله في قلب العبد .
إلا أن الإسلام يضع لهذا الحب الجميل ضوابط وقيود حتى يبقى مباحاً ومفيداً ومثمراً ولا ينقلب على صاحبه فيؤدي به الى المزالق ، وهذا القيد والضابط هو أن يبقى الحب كمشاعر تحاول أن تدفع بك الى التعارف والخطبة والزواج .
أما إن تحول الحب الى ممارسة وسلوك كلمسة وقبلة ، واستغلال عواطف ومشاعر ، ففي هذه الحالة يكون حراماً وينتج عنه سلبيات كثيرة .
إذا الشرع لا يقول لك لا تحب ، ولكن إذا احببت فلا تنحرف الى الحرام .
لا يقول لك لا تكره ، ولكن إذا كرهت فلا تظلم .
لا يقول لا تجوع ، ولكن إذ جعت فلا تسرق .
لا يقول لك لا تأخذ حقك ، ولكن لا تظلم ولا تسرف

ولذلك كان أحد أساتذتنا يعطي تعريفاً للحب فيقول: الحب هو عبارة عن شجرة صغيرة تبدأ بالزواج.. وهذا هو المرغب فيه في الشرع ، لأنك وضعت حبك في الإطار الحلال ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول { لا أرى للمتحاببين إلا النكاح } .
وانظر عن ابن عباس رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ، إن عندي يتيمة ، وقد خطبها رجل معدوم ورجل موسر ، وهي تهوى المعدوم ونحن نهوى الموسر ، فقال عليه الصلاة والسلام { لم يرى للمتحابين إلا النكاح }

وقد كانت سيرة الانبياء تشع بالحب الذي يبدأ بالزواج .

انظر الى نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يحب زوجته سارة حباً شديداً لمدة ثمانين عاماً ، ومع حاجته الشديدة الى الانجاب لم يتزوج إلا بعد ما طلبت منه السيدة سارة أن تتزوج من هاجر ام اسماعيل والحت عليه .

نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان شديد الحب لام المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، وعندما كان يعبر عن حبه لخديجة و تغار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان يقول عليه الصلاة والسلام { إني رزقت حبها } رواه البخاري .
ولم ينس زوجته أبدا حتى بعد وفاتها بأربعة عشر عاما في يوم فتح مكة والناس ملتفون حول الرسول وقريش كلها تأتى إليه ليسامحها ويعفو عنها فإذا به يرى سيدة عجوز قادمة من بعيد .. فيترك الجميع ويقف معها يكلمها ثم يخلع عباءته ويضعها على الأرض ويجلس مع العجوز عليها ويتبادل معها الحديث .
بعد مغادرتها السيدة عائشة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيقول :هذه صاحبة خديجة .
فتسأل :وفيم كنتم تتحدثون يا رسول الله ؟
فقال :كنا نتحدث عن أيام خديجة .
فغارت أمنا عائشة وقالت: أمازلت تذكر هذه العجوز وقد واراها التراب وأبدلك الله خير منها ؟
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: والله ما أبدلنى من هى خير منها ... فقد واستنى حين طردنى الناس وصدقتنى حين كذبنى الناس .
فشعرت السيدة عائشة أن النبى قد غضب فقالت له: إستغفر لى يا رسول الله .

ولقد كان حب النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مثلا وقدوة للمؤمنين  ، الى درجة لقب العلماء السيدة عائشة بحيبية رسول الله ، وتزخرخ كتب الحديث والسيرة بجمال الحب بين رسول الله وعائشة .
وورد في الصحيح عن البخاري ومسلم أن عمرو بن العاص عاد منتصر من غزوة ذات السلاسل ، وأراد أن يعرف مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب.. فعدَّ رجالاً.

وكان عليه الصلاة والسلام يقول لعائشة رضي الله عنها: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم) والقسم في الحالين بالله سبحانه وتعالى، لكن إذا كان بينها وبينه شيء، قالت: إذا أرادت أن تحلف بأي مناسبة قالت ورب إبراهيم، وإذا كانت راضية ومسرورة قالت لا ورب محمد، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك . رواه البخاري .

وهنا في الختام نصيحة  :
أياك والحب في الظلام ، لأن الظلام لا يؤدي إلا الى ظلام أشد ، وأنتم أيها الآباء والأمهات صححوا علاقاتكم الديكتاتورية مع بناتكم وشبابكم ، لتكون اصدقاء حقيقين لهم ، لا تضعوا الحواجز بينكم فيهربوا منكم ويضطروا الى اخذ المعلومات من جاهل .



في ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام

الدكتور مرشد معشوق

بسم الله الرحمن الرحيم
في مثل هذه الايام ينشغل المجتمع المسيحي باعياد الميلاد وما يرتبط بها من ايام ويظهر ذلك جليلا في المجتمعات الاوربية ، واجد هنا ان من حقي ايضا ان احتفي بميلاد السيد المسيح كما قال النبيى المصطفى عليه الصلاة والسلام ليهود المدينة عندما وصلها مهاجراً فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسأل عن ذلك فقالوا هذا يوم صالح ، يوم نجى الله فيه موسى من فرعون ، فقال عليه الصلاة والسلام أنا أولى بموسى منكم فصامه ، قياسا عليه اجدني اولى بعيسى منهم وقد كان المصطفى يكثر من قوله { أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم } كما رواه البخاري ،  وان كانت لي طريقة في الاحتفاء بالسيد المسيح فهي ان اتذاكر سيرتة العطرة وما خصه به الدين الاسلامي الحنيف .
فقد أبدى الاسلام من خلال مصادره الأساسية القرآن الكريم والسنة النبوية اهتماما بالغاً بالسيد المسيح عيسى عليه السلام ، الى درجة أن المرء لا يعد مسلماً إذا لم يؤمن برسالة المسيح عيسى عليه السلام ، وقد كان من اهتمام الاسلام بالمسيح أن ورد ذكره في  93 آية من القرآن ، تناولت شخص السيد المسيح وعائلته ، ابتدأ بولادة أمه ، ونشأتها نشأة الطهر والعفاف والعبادة والتبتل ، مروراً بإكرام الله تعالى لها بأن رزقها غلاما بدون أب مع حفظ ورعاية الله لها أثناء حملها وولادتها ، مرورا بصفات السيد المسيح ومعحزاته ، و تعليماً من القرآن الكريم للمسلمين، كيف يحبون سيدنا عيسى ويكرمونه ويؤمنون به كما يؤمنون بكافة الأنبياء والرسل، سميت ثاني اطول سورة في القرآن باسم عائلته – سورة آل عمران – كما سميت سورة ثانية بمعجزته – سورة المائدة – واخرى باسم امه الطاهرة العفيفة – سورة مريم – اضافة الى ذكره في كثير من السور ، ومقالة كهذه لا تفي بتفصيلات ذلك ، فذاك يحتاج الى بحوث ومؤلفات تفرد لذلك ، غير أنني في هذه المقالة احاول ذكر ومضات سريعة من ذلك بحيث تفي بالغرض ولا تخل بالبحث ، فابدأ باسم الله .
اولاً : المنبت الطيب :
من عظيم فضل الله على أنبيائه اختيار المنبت والبيت الطيب لانبيائه ، فالقرآن الكريم ينظر الىالسيدة مريم أم المسيح عيسى على أنها رمرزاّ من رموز الطهر والعفاف ، تفرغت للعبادة ، اختارها الله لتكون موضع عجيب قدرته فارسل اليها جبريل ليفخ في جيب السيدة الطاهرة لتحمل بالسيد المسيح ، قال سبحانه في بيان ذلك :{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } (التحريم:12) .

ثانياً: الولادة المعجزة:
الله هو رب العالمين وهو خالق كل شيئ وهو على كل شيئ قدير ، لا تحكمه عادة ، ولا يعجزه أمر ، فالله يخلق بأب ، ومن غير أب ، ومن غير أب وأم ، قال سبحانه وتعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (آل عمران:59) ، فالمسيح هو الشخص الوحيد الذي وُلد من عذراء، ولقد أوضح النص القرآني الحوار الذي دار بين الملك والعذراء مريم عند بشارتها بولادة المسيح والمراد من ذلك ، فذكر في سورة مريم: " وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا – مريم 21) "، وفي موضع آخر يذكر القرآن الكريم كما في سورة الأنبياء: "والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين" وأوضح في آية أخرى طريقة الحمل المبارك المعجز ، قال تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً }( مريم:16- 19) ،  فالمسيح آية للعالمين لولادته من عذراء دون أن يمسها بشر.

ثالثاً : الله عز وجل من سماه :
السيد المسيح عليه السلام مبارك في اسمه لان الله عز وجل هو من سماه ، فقد بلغ الملك السيدة مريم باسمه عندما بشرها بالمسيح يقول الله في القرآن : " إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " آل عمران 45.

رابعاً: المسيح مبارك في حياته ومحمي بحفظ الله له :
اختار الله المسيح لنفسه واختاره نبيا ورسولا له فحفظه من كل شر وذنب ، فهو محاط بعناية الله وحفظه ، وحفظه وأمه الطاهرة من مس الشيطان ، فقد وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "ما من مولد يُولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها" ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم قول الله عز وجل " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( " آل عمران 36 .
خامساً:اختصاصه بالمعجزات العظام :
لما كان السيد المسيح عيسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل الكرام الذين بعثهم الله لتبليغ دينه ، فقد آتاه الله من الآيات المعجزات العظام منها ما هي من خواص رب العزة جل جلاله اهداها المولى لنبيه عيسى دليلا على صدق دعوته ، فمن ذلك إحياء الموتى ، وشفاء المرضى ، وتكليم الناس في المهد صغيراً ، وخلق الطير من الطين ، وغير ذلك من المعجزات مما هو مذكور في قوله تعالى : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكمه وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ }( المائدة:110) ، ومن معجزاته عليه السلام ، استجابة الله عز وجل لدعائه في إنزال مائدة من السماء تلبيةً لطلب الحواريين - أصحابه - حتى يزدادوا يقيناً بنبوته ، قال تعالى مبينا هذه المعجزة :{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }(المائدة:112- 114)
سادساً:  المسيح عضو في هيئة اولي العزم من الرسل
كرر القرآن الكريم ذكِّر حقيقة عيسى - عليه السلام - وحقيقة دعوته ، وأنه ما هو إلا رسول من عند الله بعثه لتبليغ دينه ، وإعلاء شريعته ، فمرة يذكر هذه الحقيقة بصيغة الحصر ، كقوله تعالى :{ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ }(المائدة:75) ، وتارة يذكر المسيح في معرض ذكره للرسل الكرام عليهم السلام ، على اعتبار أنهم إخوانه وهو واحد منهم ، كقوله تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً }(النساء:163) وغيرها من الآيات التي تدل دلالة قاطعة على أن عيسى عليه السلام ما هو إلا رسول من عند الله عز وجل .


سابعاً : المسيح والرفع المبارك
لم يسلم عيسى - عليه السلام- من أذى اليهود الذين بُعث لهدايتهم ، حتى بلغ بهم أن شكوه إلى الرومان ليقتلوه ، وبعد ان جمعوا امرهم لقتله عليه السلام كانت عنايةالله بأن القى شبهه على احد الناس ليصليب الشبيه ويرفع السيد المسيح الىالسماء يقول الله في بيان وتجلية هذه الحقيقة : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } (النساء:157-158) وقال أيضاً :{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }(آل عمران:55)

وبهذه الأسلوب الرائع الذي حدَّث به القرآن عن شخصية عيسى - عليه السلام- تتشكل في ذهن كل مسلم صورة واضحة المعالم ، صورة - على روعتها - سهلة في فهمها واستيعابها ، ويمكن تلخيصها بكلمات يسيرة ، فعيسى - عليه السلام- وإن كانت ولادته معجزة من أمٍّ بلا أبٍ ، إلا أنه كسائر الرسل فيما سوى ذلك ، فهو بشر أرسله الله عز وجل داعية إلى بني إسرائيل ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأيده بالآيات والمعجزات ليكون دليلا وبيانا على صدق نبوته ، وحجة على من خالف وعاند وكفر ،{ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }(مريم :34 ).




جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة الخزنوي| إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : مستر ابوعلى