Ma'shuq Foundation

Ne şêx bû, ne jî bi tenê pîrozmendekî me bû, têkoşerê evînê bû, xweşik mîna giyan û zelal mîna eşqê bû. Çîroka me ji me re şirove kir, em fêrî evînê, silavê kirin û em fêrkirin em dê çawan welat di maçekê de kurt bikin. Em fêrkirin em dê çawan şehîdên xwe bi stiranan rapêçînin. Şêxê me bû, hevalê me yê ku me jê hezdikir û hezdikin, bû. Şehîdê biyan, şehîdê dastana hişê me yê nû, hevalê me yê ku tembînameya me bi destê xwe nivîsand û hetahetayê nemir. Em hr tem  di salvegera  jiyana wî de silavekê lê dikin!
لم يكن شيخا، ولم يكن قديسا فقط ، كان داعية للحب جميلا مثل الروح ونقيا كالعشق شرح لنا الحكاية ،علمنا كيف نحب ،كيف نصافح ،كيف نختزل الوطن في قبلة ،كيف نلف الشهيد بالاغاني ،كل ذلك كان مولانا الشيخ ،رفيقنا الذي نحب ،الشهيد الغريب ،الصديق الذي كتب وصيتنا ولم يمت.  نحييه في كل ح¡

مقارنة بين الانبياء

شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي
خطبة جمعة في جامع لبي ذر الغفاري بادلب 1991
يقول الإمام المفسر ابن كثير : لما خلق الله نور نبينا أمره أن ينظر الى أنوار الأنبياء فغشيهم ، فأنطقهم الله به ، قالوا يا ربنا من هذا الذي غشينا نوره ؟ ، قال : هذا نور محمد بن عبدالله إن أمنتم به جعلتكم أنبياء ، قالوا : آمنا به وبنبوته ، قال : أشهد عليكم ؟ ، قالوا:  نعم ، فذلك قول الله تعالى  ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَـمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّٰهِدِيْنَ﴾ [ سورة آل عمران : الآية 81 ] .
فقد روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية السابقة: "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه" . [ انظر تفسير ابن جرير 2/236 ، وتفسير ابن كثير 1/386 ] .
أيها الأحبة : إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خلاصة هذا الوجود ، وهو واسطة العقد الإلهي الفريد ، ولم يخلق الله أكرم منه ، وإن جميع الأنبياء تحت لوائه ، ولو كان النبي في زمن آدم أو نوح أو ابراهيم أو موسى أو عيسى عليهم السلام  لما تخلفوا عن متابعته وتصرته ،  كما روى الإمام احمد عن جابر أن  النبي صلى الله عليه وسلم : { لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي } ، ويوم ينزل المسيح عليه السلام سيوفي بميثاقه وسيكون تابعاً للحبيب الاعظم والرسول الاكرم سيدنا محمد كما جاءت بها الاحاديث .
وروى الإمام الترمذي أن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا ينتظرونه، قال: فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبا إن الله عز وجل اتخذ من خلقه خليلاً اتخذ إبراهيم خليلاً، وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما، وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم فسلم، وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم. إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجي الله وهو كذلك، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر. } .
سيدي ابا القاسم يا رسول الله :
يا خير من جاء الوجود تحية *** من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا
العرش تحتك ســــــــــدة وقوائما *** ومناكب الروح الامين وطــــــــــــــــــــــــــــاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم *** حاشا لغيرك موعد ولقاء
سيدي يا رسول الله : ونحن نبتهج احتفالاَ بمولدك اسمح لي أن اعقد مقارنة بينك وبين الانبياء من قبلك ، افتخاراً بمقامك ، و تيهاً بسيادتك ، واعتزازاً بالانتماء اليك ، وقد قال ربنا : ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ [ سورة البقرة : الآية 253] وأرفع من رفعه الله هو سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك فما من معجزة أتي بها نبي من الأنبياء أو رسول من الرسل فإنما انفصلت منه ، ويرحم الله الامام البوصيري حين يقول
وكلّ اي أتى الرّسل الكرام بها ... فإنّما اتّصلت من نوره بهم
فإنّه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للنّاس في الظّلم
ولذلك ما منح الله نبياً منحة إلا منح محمد  المصطفى عليه الصلاة والسلام مثلها وأعظم ، ودعني اضرب لك امثلة :
 إذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام لحظة ثم انقطع السجود ، فقد أعظى الله محمداً ما هو أعظم وهو أمر لم يشترك فيه الملائكة فقط ، أو في زمن محدد ، وإنما اشترك ربنا في مراسيم تكريمه مع الملائكه ، وبدون زمن حين قال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ سورة الأجزاب : الآية 56 ] ، وهذا اعظم واكرم .
وإذا كان الله قد نجى نوحاً عليه السلام وقومه من الغرق ، فإن الله تعالى أعطى الحبيب محمداً نظير ذلك وأعظم ، وهو أنه رحم أمته فلم يهلكها بعذاب من السماء ، ولم يهلكها كالامم السابقة بالحجارة او الرجفة او الصيحة او الماء أو النار ، ولم يقلب عاليها سافلها ، لانه رحمها اكراماً لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى : ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ سورة الأنفال : الآية 33 ] .
وإذا كان إدريس عليه السلام قد رفع الى السماء الرابعة ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [سورة مريم: الآية 56-57] } ، فإن المصطفى عليه الصلاة والسلام أعطي المعراج ورقي الى منزلة لم يرق اليها أحد قبله ولا بعده ، كما قال البوصيري
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم    حاشا لغيرك موعد ولقاء
وإذا كان سيدنا ابراهيم عليه السلام قد أعطي أن النار كانت عليه بردا وسلاماً ، فإن سيدنا محمد اعطي نظير ذلك واعظم وهو اطفار نار الحرب واستسلام الاعداء له قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ  ﴾ [ سورة المائدة : الآية 64 ] إنها نار حطبها السيوف،  ووهجها الحتوف ، وموقدها الحسد ، ومطلبها الروح والجسد .
وإذا كان سيدنا ابراهيم قد حطم الاصنام النمرودية بفأسه القوية وجعلها جذاذاً ،  إلا كبيراً لهم لعلهم يرجعون ، فقد قال ابن عباس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده الى الأصنام ويقول﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ [الاسراء:الآية 81] فما أشار الى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع [ السيرة النبوية لابن هشام ] .
وإذا كان العصى انقلبت لموسى عليه السلام حية ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾ [الاعراف:الآية 107] فإن الجذع الذي كان يخطب عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم انقلب الى عاشق متيم مشتاق له طنين وصوت كصوت العشار الذي فقدت فصيلها ولم يسكن حتى نزل الرسول من منبره وضمه ، روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال : كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه ، صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت .
وإنا انفلقت البحر لموسى عليه السلام ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء :الآية 63] ، فإن نبينا قد شق له القمر الى نصفين  ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر :الآية 1] وقد رآها كثير من الناس من البلدان .
وإذا انبع الله لموسى الماء من الحجر نصفين  ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة :الآية 60] ، فقد أعطى الله محمد ما هو اعظم روى البخاري ومسلم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه فقال ما لكم قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة  .
وهذا ابلغ من نبع الماء من الحجر ، لأن الحجر من جنس الارض ، وكم من العيون تنفجر من الحجر ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء ﴾ [البقرة :الآية 74] أما أن ينبع الماء من بين اللحم والدم والعظم والعصب فهذا لا نظير له إلا في معجزة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .

واذا كان موسى طلب من ربه فقال : ﴿  قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه :الآيات 25-28]  فشرح الله صدره ويسر امره ، فان المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يطلب ذلك ، إنما الله اكرمه ابتداء فقال له ممتنا عليه ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ  ﴾ [الشرح  :الآيات 1-4] .
واذا كان موسى طلب رضا الله فقال : ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [سورة طه  :الآيات 48] ، فإن الله قال للحبيب محمد ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [ سورة طه : الاية 130 ] .
وإذا قال موسى   ﴿  وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي ﴾ [ سورة الاعراف : الاية 143 ] } ، أما سيدنا محمد فقد دعاه الله لرؤياه وللكلام معه فرأى ربه بعيني قلبه على الراجح ، وبعيني رأسه على المرجوح  .
وقال لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ ﴾ [سورة الطور  :الآية 48]بينما قال لسيدنا موسى عليه السلام  ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴾ [سورة طه  :الآية 39]
ايها الإخوة : إذا كان سيدنا سليمان عليه السلام قد أعطي منطق الطير ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [سورة النمل  :الآية 16] فإن سيدنا محمد كلمه الحجر والمدر والشجر والدواب والطير  فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن } ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا معه في بعض نواحيها، فمررنا بين الجبال والشجر، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، وأنا أسمعه. [ رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي والدارمي وأبو نعيم والبيهقي] .
وقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : " يَا أَبَا الْفَضْلِ ، لا تَرِمْ مَنْزِلَكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ غَدًا حَتَّى آتِيَكُمْ " ، فَانْتَظَرُوهُ حَتَّى جَاءَ بَعْدَمَا أَضْحَى ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : " السَّلامُ عَلَيْكُمْ " ، قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، قَالَ : " كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ ؟ " ، قَالَ : بِخَيْرٍ ، أَحْمَدُ اللَّهَ ، فَقَالَ : " تَقَارَبُوا تَقَارَبُوا تَقَارَبُوا ، يَزْحَفُ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ " ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنُوهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بِمُلاءَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " يَا رَبُّ ، هَذَا عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي ، وَهَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِمُلاءَتِي هَذِهِ " ، قَالَ : فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ ، فَقَالَتْ : آمِينَ آمِينَ آمِينَ .
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر (أي ردد صوته في حنجرته)، وذرفت عيناه، قال بهر وعفان: فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرَاتَه (وهي الظهر وقيل السنام)، وذِفْرَاه (العظم الشاخص خلف الأذن) فسكن ، فقال: ((من صاحب هذا الجمل؟)) فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: ((أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلي أنك تجيعه وتُدْئِبه)) [ رواه أبو داود ، وقال الألباني: "صحيح"  ]
ومن ذلك شكوى الحمامة فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، ومررنا بشجرة فيها فرخا حُمَّرة (طائر صغير كالعصفور)، فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من فجع هذه بفرخيها؟)) قال: فقلنا: نحن، قال: ((فردوهما))[ رواه أبو داود ، وقال الألباني: "صحيح"  ] .
إذاً فإذا كلم الطير سليمان عليه السلام فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كلمه الطير وكلمته الدواب وكلمته الحوائط والجدران والاحجار .
ويظهر هذا الفضل الكبير الذي منح للحبيب المصطفى في الشفاعة العظمى ، فقد روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أنه  قال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)) ثم قال: ((هل تدرون مم ذاك؟!! يجمع اللـه الأولين والأخرين فى صعيد واحد فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس ألا ترون ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟!! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون ياآدم أنت أبو البشر خلقك اللـه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: إن ربى غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله،  ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهانى عن الشجرة فعصيت، نفسى، نفسى، نفسى... اذهبوا إلى غيرى. اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً، فيقولون: يانوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض،  وقد سماك اللـه عبداً شكوراً، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول: إن ربى غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله،  وإنه قد كان لى دعوة دعوت بها على قومى، نفسى، نفسى، نفسى، اذهبوا إلى غيرى،  اذهبوا إلى إبراهيم… فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبى اللـه، وخليله فى أهل الأرض،  اشفع لنا إلى ربك أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنى كنت كذبت ثلاث كذبات، فذكرها، نفسى،  نفسى، نفسى، اذهبوا إلى غيرى، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى. فيقولون: أنت رسول اللـه، فضلك برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنى قد قتلت نفساً لم أُومر بقتلها، نفسى، نفسى، نفسى اذهبوا إلى غيرى، اذهبوا إلى عيسى،  فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول اللـه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه،  وكلَّمت الناس فى المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنباً، نفسى،  نفسى، نفسى. اذهبوا إلى غيرى، اذهبوا إلى محمد، فيأتون محمداً  وفى رواية: فيأتونى - فيقولون: يامحمد أنت رسول اللـه  وخاتم الأنبياء قد غفر اللـه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فانطلق، فآتى تحت العرش، فأقع ساجداً لربى، ثم يفتح اللـه علىّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلى، ثم يقال: يامحمد، ارفع رأسك، وسل تعط، واشفــع تُشفّــع فأرفع رأسى، فأقول: ياربى أمتي)).

أيها الإخوة : هذا ما استطعنا أن نفعله ، إنها مقارنة بسيطة بين منن الله لنبيه محمد وأنبيائه الآخرين ، ذكرناها افتخاراً بمقامه وتيهاً بسيادته على العالمين ، واعتزازاً برفيع مقامه ، وبالانتماء اليه ، وإلا فالحقيقة أكبر من ذلك وأعظم من ذلك ، وأرفع من ذلك ، فهو عليه الصلاة والسلام لا يعرف مقداره إلا الذي خلقه وبرأه ، وأنزل عليه عصمته ورسالته ، نسأل الله أن يعرفنا بمقام نبيه ، وأن يزرع في قلوبنا عظمته ومحبته إنه على ما يشاء قدير 

الإرهاب خطر ودمار والإسلام لا يرتضيه - حوار مع فضيلة الدكتور محمد معشوق الخزنوي

الارهاب خطر ودمار والإسلام لا يرتضيه

حوار مع فضيلة الدكتور محمد معشوق الخزنوي


مجلة الشعاع 

أجرى الحوار الدكتور احمد كمال حسني



على هامش مؤتمر الإديان ودوره في صناعة السلام العالمي والذي يعقد في اوسلو يسرنا أن نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي عالم من علماء الدين الإسلامي الكردي ومدير مركز إحياء السنة للدراسات الإسلامية بمدينة القامشلي في الجمهورية العربية السورية في هذا الحوار على صفحات مجلة الشعاع فأهلا وسهلا بكم فضيلة الشيخ 0

أهلا بكم ويسعدني اللقاء بكم وفي بداية الحوار احيكم بتحية الاسلام ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )

السؤال الاول : لو تفضلتم بتعريف للإرهاب ؟

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتى الان لم توجد كلمة أكثر استخداما وتحليلا في مختلف وسائل الاعلام واكثر جدلا في مختلف الاحاديث والنقاشات من كلمة "الارهاب" ، وعلى الرغم من هذا الانتشار الواسع لهذه الكلمة فانه ليس هناك اتفاق حول التعريف الدقيق والمقبول من كافة الجماعات والاتجاهات المختلفة لهذا المفهوم ، مفهوم "الارهاب".

و في اللغة العربية :

تشتق كلمة "إرهاب" من الفعل المزيد (أرهب) ؛ ويقال أرهب فلانا: أي خوَّفه وفزَّعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف، فيقال رَهِبَ الشيء رهبا ورهبة أي خافه . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب الراهبة والرهيبة والرهبانية … إلخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعديا فيقال ترهب فلانا : أي توعده . وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة استفعلمن نفس المادة فتقول (استرهب) فلانا أي رَهَّبَه .(1) وفي القرآن الكريم : " يلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح "الإرهاب" بهذه الصيغة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد،حيث وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة في الذكر الحكيم لتدل على معنى الخوف والفزع كالتالي :

(يَرْهَبُون) : "وَفِي نُسْخَتِهَا "هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ". [الأعراف : 154 ].

(فارْهبُون) : " وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" [البقرة : 4].

"إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" [النحل : 51].

(تُرهِبُونَ): "تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ"[الأنفال:60].

(اسَتْرهَبُوهُم) : "وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ" . [الأعراف : 116].

(رَهْبَةً) : "لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ" [الحشر : 13].

(رَهَبًا) : " وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" [الأنبياء : 90].

بينما وردت مشتقات نفس المادة (رهب) خمس مرات في مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد كالتالي :

ورد لفظ (الرهبان) في سورة [التوبة : 34]، كما ورد لفظ (رهبانا) في [المائدة82]، ولفظ (رهبانهم) في [التوبة : 31] وأخيرا (رهبانية) في [الحديد :27].

بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيرا في الحديث النبوي ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في حديث الدعاء : "رغبة ورهبة إليك" . ويلاحظ أيضا أن القرآن والحديث قد اشتملا على بعض الكلمات التي تتضمن الإرهاب والعنف، بمعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم : العقاب والقتل والبغي والعدوان والجهاد… إلخ. (2) ودوليا يعرف الارهاب يعرّف الإرهاب الدولي بأنه نوع من العنف غير المبرر وغير المشروع بالمقياسين الأخلاقي والقانوني الذي يتخطى الحدود السياسية، ويختلف الإرهاب عن ممارسة

العنف السياسي الداخلي التي قد تنتهجها بعض القوى الثائرة أو الحركات المتمردة داخل الدولة الواحدة للنيل من السلطة القائمة.

والإرهاب الدولي عادة ما يصطبغ بالصبغة السياسية كما أن الجماعات التي تمارسه هي في الغالب جماعات غير حكومية،وربما مارسته الحكومات بل ربما دعمت الحكومات دولا تمارس الإرهاب مثل ما مارسه دكتاتور العراق المخلوع صدام حسين في حق الاكراد في حلبجة وغيرها وما فعلته وتفعله اسرائيل بحق الشعب الفلسطين ، ولم يمثل ذلك حائلا بينها وبين الحصول على التشجيع المادي والمعنوي من بعض الدول والحكومات.

وبعيدا عن الأسباب التي تساعد على انتشار الإرهاب الدولي فقد طرأت في الحقبة الأخيرة مستجدات عديدة زادت كثيرا من أخطاره ومضاعفاته الدولية، منها على سبيل المثال: ضلوع العديد من الدول والحكومات وتواطؤها مع منظمات الإرهاب الدولي، والتكاثر السرطاني لخلايا وشبكات الإرهاب الدولي، وقد وصل البعض بعددها إلى ثلاثمائة وثمانين منظمة منتشرة في أكثر من ستين دولة، وكان للتقدم التكنولوجي الكبير الذي استفادت منه هذه المنظمات في نطاق الاتصالات وجمع المعلومات والتزود بمعدات فنية متطورة دور كبير في انتشار هذه المنظمات.

فالخلاصة هي : يوجد شبه اتفاق على الاقل بان الارهاب في اللغة يعني التخويف وفي المعنى الدولي هو ارهاب جماعات بريئة سواء بالقتل او غيره بهدف تحقيق هدف سياسي

السؤال الثاني : لماذا هذه الاجواء الارهابية ؟

- ان الله سبحانه وتعالى قد اعطانا في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه الأمين فهما يجب ان نقف عنده حقا , ألا وهو ان الامن على الدماء والاموال والاعراض والاوطان مطلب اساسي من مطالب الحياة البشرية وهذا الامن لا يتحقق الا عندما توجد الرقابة الذاتية في قلب الانسان ولا توجد هذه الرقابة الا عندما يكون الانسان مؤمنا ولا يكون مؤمنا حقيقيا الا اذا كان خائفا من الله وفي الوقت نفسه مؤمن ايمانا كاملا بالعقوبات التي تترتب على انتهاكه هذه الحرمة الالهية العظيمة, وهي حرمة امن الانسان, ولا يتحقق هذا ايضا الا بوجود ضمير حي يحس بآمال وآلام الامة ويستشعر أن الحياة يجب ان تكون عامرة بالامن والاستقرار لذلك امر الله تعالى المجتمع بان يكونوا كلهم قلبا واحدا ويدا واحدة وما دام المجتمع بهذه الصورة فانه لا يفكر في الاساءة لاحد حتى ولو كان هذا الغير على غير الامة الاسلامية طالما كان بينه والامة الاسلامية عهد وميثاق.. والذي وقع في كثير من البلدان الاسلامية والعالمية وراح ضحيته نفوس بريئة وكذلك جرح اشخاص مظلومون هذا العمل لا يخدم الامة الاسلامية ولا يقيم وزنا لهذه الامة.. وهي امة معنية بتحقيق الامن والطمأنينة والبعد عن مثيرات الفتن سواء كان في الدماء او الاموال اوالاعراض او غيرها.

ولذلك أقول : إن من يمارسون الارهاب هم اناس قد ينتسبون إلى الاسلام شكلا وليس حقيقة ولا ادري من اين ينتسبون إلى الاسلام هل إسلامهم مشتق من الاستسلام لله ام من الاستسلام لأهواء النفس واغراض الاعداء الذين يريدون اثارة الفتن والقلاقل والخوف والرعب في العالم عموما وفي بلاد المسلمين خصوصا اعتقد ان ما جرى خلال السنوات الماضية ويجري الآن باسم الإسلام امر نشاز بالنسبة لامتنا الاسلامية و يجب ان يتخذ كل اجراء لوقف المجرمين عند حدودهم .

وان يعرف المجتمع الاسلامي ان هذا الامر الذي يحصل ليس فقط المقصود به بلد معين وانما يقصد به الاساءة للاسلام والامة الاسلامية في مشارق الارض ومغاربها والاسلام برئ من الارهاب والارهابيين.

السؤال الثالث من أين.. وكيف ولدت هذه الافكار؟:

ـ هذه الافكار يظهر لي والله اعلم انها لم تولد صدفة وانما ولدت في اجواء اخطرها الثقافة الفاسدة.. وينشأ ايضا عن الغفلة في المجتمع.. فالامة الآن اصبحت لاتتعارف فيما بينها.. حتى الجيران لايعرفون بعضهم البعض.. ولو كنا نعرف جيراننا لعرفنا خلقهم شرهم وطيبهم. ونصلحه بالنصح.. كما تنشأ من اللبنات الفاسدة بيوت لاتعمر بذكر الله ولا بمحبة الخير.. فكيف ينشأ منها الرجل الصالح.. ثم الفراغ الكبير الذي يوجد عند بعض الناس.. فهو وراء مثل هذه الافعال الارهابية.. ولعل هذا يتولد بسبب قلة الوعي والادراك إضافة إلى الظلم والضغط الذي تمارسه الأنظمة الدكتاتورية داخليا أو الأنظمة الإستعمارية خارجياو يوءدي كل ذلك يوءدي إلى الإنفجار أنا لا ابرر الإرهاب ولا يمكن أن أتفهم دواعيه ولكن من الإنصاف أن نذكر من يشاركهم المسؤلية .

السؤال الرابع هل تعتقد ان جماعات التكفير لها دور في ما يحدث ؟:

ـ شيء مؤكد.. وهو ليس بجديد فالخوارج عقب مقتل سيدنا علي (كرم الله وجهه) حدثت قلاقل وسفكت دماء بغير حق.. انهم يعتقدون ان الذي يموت على كبيرة انه من اهل النار ومثل هذا يجوزون قتله.. وهؤلاء الجماعة لهم خطورة بالغة على المجتمعات كافة.. والله يقول (قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا) صدق الله العظيم.

ولاشك ان هذه الجماعة ضالة وعندما ينادون بتكفير هذا او ذاك فانما يحدث شرخ في جسد الامة.والواجب مكافحته وقديما حينما قام الخوارج "اول تنظيم ارهابي" بالخروج على الامام علي كرم الله وجهه، الحاكم الراشدي العادل، بحجة انه حكمّ الرجال، ولا حكم إلا لله، ويجب عليه ان يتوب من هذا الذنب او يُقاتَل، وانطلقوا منها الى تكفير المجتمع، واعتبروا كل من خالف رأيهم او سكت وقعد عن الخروج معهم كافراً، وأباحوا تبعا لذلك دماء المسلمين. ومع انهم كانوا اشد الناس تدينا واكثرهم اخلاصا لعقيدتهم وحبا في الفداء والشهادة، وقال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم (يخرج في هذه الامة قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية )..إلا ان الامام والصحابة رضوان الله عليهم، لم يترددوا في الوقوف ضدهم وتعرية طروحاتهم، ولم يقوموا بتبرير طروحاتهم بمبررات زائفة ومسوغات مضللة، كما يحصل الآن لطروحات الخوارج الجدد، بل قاموا يدا واحدة وحاربوهم وهزموهم شر هزيمة في النهروان (37هـ). هكذا كانت الامة عندما كانت تسير صُعُدا في المسار الحضاري لتقود البشرية.

ولكننا اليوم نجد خوارج عصرنا الجدد، اسعد حظا، اذ يجدون فضائيات تتبنى طروحاتهم، ترددها بلا كلل صباح مساء، تجعلهم نجوما جماهيرية، وتستضيف محللين يبررون ويسوغون افكارهم،

السؤال الخامس : أنت ترى أسبابا لهذا العنف قادت الإرهابيين الى هذه الخطيئة. ما هي ؟ هل هي الفقر ام القهر السياسي ام الجهل؟

هذه تصلح أن تكون محرضات وليست أسبابا لأن الفقر قد يكون سببا جزئيا في حالات استثنائية الا ان الملاحظ ان بعض الاشخاص المنخرطين في العمل الارهابي وكثيرا من قادته جاءوا من شعوب تعيش في بحبوحة من العيش، اما القهر السياسي فقد يكون صحيحا في بعض المجتمعات العربية،الا ان هناك هامشا من الحرية يضيق او يتسع في بعض الدول العربية، كما ان هناك بلدانا في العالم الاسلامي لا يتمتع اهلها بأي مساحة من الحرية والمشاركة، ورغم ذلك لم تلجأ هذه الشعوب او بعضها الى ما لجأ اليه منفذو تفجيرات 11/9، اضافة الى ان هذه التنظيمات ومن خلال كتاباتهم واعلاناتهم ليست لديهم اية اشارات تجاه الحرية ولا تشكل الحرية مطلبا من مطالبهم الحيوية، اما الجهل فإن النظرة المتأنية تثبت أن الفاعلين يعرفون الكثير والكثير من التقنيات الحديثة المعقدة، درسا وممارسة ناهيك عن القدرة على التنظيم والتخفي .

السؤال السادس اذا لم تصلح المبررات السابقة تفسيرا للظاهرة الارهابية فما هي الاسباب والمبررات؟:

في تصوري ان النفس الانسانية وبخاصة المسلمة السوية، تنفر من الارهاب ولكن الافكار الارهابية تجد بيئتها الخصبة والمواتية عندما تسود المجتمعات ثقافة متعصبة يتجرعها الناس تجرعا، فتكثر حالات تكفير المخالفين ـ دينيا ـ وتخوين المعارضين ـ سياسيا ـ وتحريض الجماهير اعلاميا. وتتلقفها نفوس قلقة قاست ويلات وسيئات تربية وتنشئة غير سوية، وتغرس غرسا في عقول عانت من تعليم مغلق لا مجال فيه لتعدد في الآراء والاتجاهات. لننظر في مناهج تعليمنا ولنقوّم اساليب تنشئتنا ولنراجع نوعية تثقيفنا وأداء اعلامنا، تلك هي البدايات الصحيحة لمكافحة ثقافة الارهاب.

السؤال السابع : كيف تصف هؤلاء؟

– لا اصفهم بغير انهم ضائعون.. وانهم يريدون تغطية عيوب انفسهم بالاساءة للاخرين والا فالانسان ذو الرجولة والاقدام والآمال البعيدة في الخير لا يفكر في ان يكون نموذجا ارهابيا او نشاذا في المجتمع بل يفكر كيف يكون عضوا فاعلا وصالحا في مجتمعه فهؤلاء قد فقدوا الضمائر الحية والعقول المستنيرة ونظروا لانفسهم بان ينهوا هذه الحياة و يدخلوا التاريخ ولكن من باب الشر وليس من باب الخير.. هم دخلوا التاريخ كما دخله فرعون ودخل التاريخ قارون والنمرود وغيرهما من الطواغيت ..

السؤال السابع : ما هو موقف الإسلام من قتل النفس البريئة ؟

لاشك أن حرمة الأنفس فى الإسلام لها مكانة كبيرة جدا في نصوص القرآن والسنة تنذر بخطورة قتل النفس البريئة, فالله سبحانه وتعالى يقول ولاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ؛إن من ورطات الأمور التى لامخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حل«.

والإسلام يدافع عن كل الانفس ويحميها حتى انفس الحيوانات, فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: ؛دخلت إمرأة النار فى هرة حبستها لاهى اطعمتها ولاهى تركتها تأكل من خشاش الارض«.

فبلغ الاسلام بعنايته بالانفس انه دافع عن انفس المسلمين وغير المسلمين مالم يعتدوا على المسلمين فالمعاهدون أيضا يجب احترامهم.

والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: ؛من ظلم معاهدا اوانتقصه او كلفه فوق طاقته او اخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فانا حجيجه يوم القيامة« وهذه هى عدالة الاسلام التي هى دفاعه وسلمه مع كل من لايحاربه وحمايته للنفوس البريئة ولاسيما نفوس المؤمنين.

قال تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فقتل الأنفس والاستهانة بها من اخطر مايكون وهو ما يدل على قلة الدين وعدم العلم باحكام الشريعة, فعلى المسلم ان يتحرج كثيرا من كل مامن شأنه ان يجر الى قتل الانفس البريئة التى لاتستحق القتل شرعا

السؤال الثامن : هل يعتبر هذا النوع من الاحداث ضربا من الفساد فى الارض؟

مثل هذا النوع فى الحقيقة من باب السعى فى الأرض فسادا لأن هذا يجر المسلمين الى كثير من الاضرار ويضر كل العالم .

ومثل هذا التصرف غير مقبول شرعا لما يترتب عليه من اضرار وخرق للعهود والمواثيق التى تحكم العالم وتسيره ويتفق عليها العالم, والاضرار التى يتعرض لها المسلمون غير معدودة.

فهذا التصرف عشوائى بما تحمل الكلمة من معنى, فالاسلام لايقبل التصرفات العشوائية واضرارها تعود على البشرية جمعاء.

ومن كان له معرفة بالاسلام يعرف ان الاسلام برىء منها, فالاسلام لايقبل الظلم من الافراد ولايقبل الظلم من الجماعات وكما يرفض ظلم الدول يرفض ظلم الافراد, لأن الاسلام دين عدل ودين حكمة ودين الموعظة الحسنة.

السؤال التاسع : ما هي الاثار التي عادت على الامة جراء هذه الافكار والاعمال وما قول الاسلام فيه ؟

ان التفجيرات والاغتيالات تزهق ارواح الابرياء ومنهم اطفال وشيوخ ونساء وتقتل انفسا معصومة الدم بالاسلام والله عز وجل يقول ناهيا عن ذلك ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )وقال ( من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنع من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم بغير حق )

ثانيا : إن هذه التفجيرات تهدم البيوت وتفسد المصالح والمنشأت العامة وتهلك اموال المسلمين وهذا مما اجمع على تحريمه فالمسلم معصوم المال والدم والعرض قال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع ( ان دماءكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )

ثالثا : إن التفجيرات والاغتيالات تقتل عدد من المسأمنين والمعاهدين سواء كانوا سائحين او خبراء علوم او عمالا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) وفي الحديث الصحيح الذي اخرجه البخاري قال عليه الصلاة والسلام لبنت ابي طالب ( ام هانئ :قد أجرنا من أجرتي وأمنا من أمنت ) وفي الحديث ايضا ( من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وان كان المقتول كافرا)

السؤال العاشر: ما دور الحكام في كبح جماح الارهاب؟:

ـ اعتقد ان ولاة الامر عندهم من العقلية الناضجة والدراسات الواعية ودراسة الماضي ومقارنة بالحاضر ما يجعلهم يقفون على طبيعة الاحداث.. عبر عدة طرق كمعرفة من هم عادة الذين يقدمون على هذه الامور وكيف يكون التعامل مع مثل هؤلاء.. وستكون هناك معالجة حكيمة ان شاء الله. ويقول الله تعالى (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) صدق الله العظيم..

السؤال الحادي عشر ما دور العلماء والمشايخ في تبصير الشباب بمخاطر هذا الطريق؟:

ـ الشباب هم طاقة هذه الامة هم يحتاجون لمن يحتضنهم وينظر لمطالبهم الموضوعية.. صحيح ان هناك شبابا لهم انحرافات ولكن دورنا كعلماء ان ندرس طبيعة هؤلاء الشباب. وان نناقش الشباب بهدوء بعد ان ادرس طبيعة ثقافته وطريقته لكي اقدم نصحي لكل واحد منهم بحسب فهمه.. والتعرف على مدى اهتمامهم بالعلماء انفسهم.. وقد جاء الى الرسول صلى الله عليه وسلم شاب قال يا رسول الله ائذن لي في الزنا!! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم اتحب الزنا لامك.. فقال لا.. قال اتحبه لابنتك اولاختك او خالتك او عمتك.. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك الناس.. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ادعو الله لي.. فقال اللهم

طهر قلبه واحصن فرجه واغفر ذنبه.. فما فكر بعد ذلك في هذا العمل.. واذا لجأ الشباب للعلماء فلن تكون هناك مشكلة وعموما العنف مع الشباب يولد المزيد من العنف..فالدين ليس بالعواطف.. واذا كان هذا هو الحال فستجد اليوم مسلمة وفي الغد كافرة.

في نهاية هذا اللقاء نكرر ترحيبنا بكم في اوسلو ونتمنى لكم اقامة طيبة .

مجلة الشعاع

أوسلو 8 / 2 / 2005

مقتل سيدنا الحسين عليه السلام في عاشوراء لشيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي



مقتطفات من خطبة جمعة عن مقتل واستشهاد الحسين عليه السلام 
لشيخ الشهداء العلامة الدكتور معشوق الخزنوي
قامشلو - 1998 - جامع سلمان الفارسي - قناة السويس 


ايها السادة " صار عاشوراء يوم شهادة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين عاماً ، يوم استيقظ عبد الله بن عباس من منامه كما تقول بعض الروايات وهو يقول [ إنا لله وإنا إليه راجعون ] كلمة قاسية اعتاد المؤمنون أن يرددوها في الشدائد ، إن لها مرارة لأنها وإن كانت تفويضاً وتسليماً لله لكنها تنبء بكارثة ، تشير الى مصيبة ، تومئ الى حادثة تفتك بجسد الإمة ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،كلمة تقال إذا اشتد البلاء واحتدم الخطب وادلهمت الأمور ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، خيراً يابن عباس ، ماذا حصل حتى استرجعت ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فأعطاني زجاجة مملوءة بالدم ، دم ، هذا يعني أن دماء الأمة ستنزف ومن حقك أن تقول ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، أعطاني زجاجة مملوءة بالدم وقال يا ابن عباس هذا هو دم الحسين واصحابه ، دم الحسين ، من حسين هذا ، هل هو كما يقول المثل حسين ما غيره ، نعم حسين ما غيره ، حسين سبط رسول الله ، حسين سيد شباب أهل الجنة وابن سيدة نسائها ، حسين ريحانة المصطفى وابن ريحانته ، حسين أبن زهراء الدنيا فاطمة ، حسين ابن فاطمة الطاهرة البتول ، تجسد فيها طهارة آل البيت ، وتجسدت فيها آية ربنا (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الاحزاب .
إنا لله وأنا إليه راجعون : أيها السادة ونحن لازلنا على مقربة من ساحة عاشوراء التي لا يفصلنا عن ذكراها أربع وعشرون ساعة ، تعالوا معي لنرافق الحسين في مسيرته ونصاحبه في ثورته ضد الباطل وانتفاضته في وجه الظلم والطغيان .
مع الحسين سبط رسول الله الذي قال عنه جده : [ حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ] رواه الترمذي ، اللهم إنا نشهدك أننا نحب حسيناً فبلغ نبيك محمداً حبنا لحسينه ، تحرك الحسين من مدينة جده بعدما ودع القبر الشريف ومعه بضع وسبعون من آل بيت رسول الله ، كل جيش الحسين ، كل معسكره ، كل أبناء ثورته إثنان وسبعون من آل بيت رسول الله ، أما الأخرون فقد تركوا الحسين في الميدان ، إن كان الحسين يدافع عن الحق فالحق هو حق جده ولا علاقة لنا به ، خرج الحسين من المدينة ومعه اثنان وسبعون من آل بيته ترافقه زينب أخت الحسين ، نقيبة نساء آل البيت في مأزق ومأساة كربلاء .
خرج الحسين ومعه زينب نقيبة نساء آل البيت قاصداً العراق ، وآه من العراق فكم جرحنا بالعراق ومن العراق ، وكم تألمنا خلال التاريخ بالعراق ولأجل العراق ، وكم مرت على هذا البلد من احداث أصبنا بسببها في الصميم ، وتوجهالحسين الى العراق وفي الطريق تلقى الحسين القائد أول تقرير عن شعب العراق في حينه ، لقي في طريقه الفرزدق ، قال الحسين يا فرزدق من أين ؟ ، قال من العراق يابن بنت رسول الله ، قال وكيف حال الناس هناك ، كيف تركتهم ، ما هي مواقفهم ، أما سمعوا بثورتي ، أما دروا بانتفاضتي في وجه الحاكم الظالم المستبد ، كيف حال الناس هناك ، قال يابن رسول الله : قلوب الناس معك ولكن سيوفهم عليك .
إنتبهوا أيها السادة : الى كلمة الفرزدق، إنها كلمة بسيطة لكنها جمعت علاقات الناس كلها ، ووضعتها في كفة الميزان ، إنها تشملكم أيضاً ، وتشمل الناس جميعاً ، فما من قطر من أقطاركم ، ما من شعب من شعوبكم ، مدينة من مدنكم ، ريف من أريافكم ، حي من أحيائكم ، عائلة من عوائلكم ، إلا وفيها شخصيتان ، شخصية تمثل دور الحسين المحرر المنقذ المغير للمنكر ، وشخصية تمثل دور يزيد وابن زياد المستبد ، مع من أنتم ؟ ، مع الحسين أم مع ابن زياد ، قلوب الناس مع الحسين ولكن سيوفهم على الحسين ، قلوب الناس مع الحسين ، هذه حقيقة ، فالحسين هو سبط رسول الله ، والحسين هو ريحانة المصطفى ، والحسين هو الثائر في وجه الظلم ، المنقذ للفقراء والمصطهدين، فطبيعي أن تكون قلوب الناس معه ، لكن سيوفهم عليه : لأن الناس يتكالبون على المال ولا عندك مال يا حسين ، لأن الناس يبحثون عن الحطام وما عندك من الحطام شئ ، ما الذي غير الأمر يافرزدق ، لقد أرسلوا إلي بالأمس يبايعونني يتعهدون بحمايتي والوقوف في وجه الظلم والطفاة ، فكيف تحولت ايديهم الممتدة بالبيعة أصلاً الى سيوف مشرعة في وجهي .
لقد حصل كل ذلك يا حسين ، فقد اشترى الطاغية الرجال بالمال ، اشترى النفوس بالفلوس ، أما سمعت قول القائل :
فصاحة حسان وخط أبن مقلة وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم
لواجتمعت في المرء والمرء مفلس ونادوا عليه لا يباع بدرهم
قيمتك بما في جيبك ، إن كان في جيبك دينار فأنت تساوي ديناراً ، وإن كان في جيبك درهم فأنت لا تساوي إلا درهماً ، وإن لم يكن في جيبك شئ فأنت لا تساوي شئ .
هذه موازين الناس مع الأسف ، نعم هذه موازين الناس يا حسين ، فصاحة حسان وخط ابن مقلة وحكمة لقمان وزهد ابن ادهم ، وكل خصلة من هذه تساوي الدنيا بما فيها حتى لو اجتمعت كلها في رجل وهو مفلس ونادوا عليه في سوق رجال اليوم لا يباع بدرهم ، أما سمعت قول القائل :
رأيت الناس قد مالوا الى من عنده مال ، ومن لا عنده ماله فعنه الناس قد مالوا ، أرى الناس قد ذهبوا الى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا ، أرى الناس منفضة الى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة .
اشترى الطاغية الرجال بالمال ياحسين وبقيت أنت وحدك ، فجاهد عن دعوة أبيك وجدك ، ماذا يفعل الحسين ؟ ، أيتراجع ، لو كان الحسين رجل دنيا ، لو كان الحسين رجلاً يقتبس عقيدته وفكره ودينه وقوته ورجولته ورسالته من سواد الناس ، إذاً لتراجع ، لكنه يوماً ما ما عرف الحق من خلال الرجال ، إنه ابن علي الذي يقول : لاتعرف الحق بالرجال ، أعرف الحق تعرف أهله .
إنه سبط رسول الله الذي احتقر الدنيا بكل زخارفها يوم عرضت عليه ، فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
انطلق الحسين إذن لم يثن عزيمته قول الفرزدق ، ذهب ليقاتل هو وربه جنود الظلم والطغيان ولو قال أهل العراق إنا هاهنا قاعدون ، بل ولو قالوا إننا في صف يزيد وابن زياد مقاتلون ، انطلق الحسين حتى نزل الى جانب الفرات في مكان إسمه كربلاء ، وكم كانت كربلاء كرباً وبلاءً ، إقرؤا التاريخ إيها السادة انظروا ، تفكروا ، تأملوا في أيام الله ، كربلاء يوم أسود من أيام أمتنا ، عاشوراء يوم رهيب من أيام تاريخنا ، عاشوراء يوم فاضت فيه أرواح آل بيت رسول الله على أيدي حكامنا .
نزل الحسين على نهر الفرات ، وقبل عاشوراء بليلة قال لمن معه من آل البيت عودوا الى المدينة تحت ستار الظلام وسأظل وحدي فإن القوم لا يريدون واحداً منكم ، إنهم يريدونني ، يريدون قائد الثورة ليميتوها ، يريدون عميد الأسرة ليبتروها ، عودوا الى المدينة إني عليكم مشفق ودعوني وحدي تقتلني الفئة الباغية كما قتلت أبي ، دعوني والله الذي لا إله غيره لقد إذنت لكم جميعاً ، فسمع لآل البيت ضجيجاً : أنتركك يا حسين وحدك ، بأي وجه نذهب الى المدينة ، بأي جواب نقف أمام قبر جدنا ، وماذا نقول له : تركنا حسينك وحده في الميدان ونجونا بأرواحنا ، ويوم القيامة حين نطمع في شفاعته ماذا نقول له إذا قال كيف فررتم وتركتم حسيني وحده ، لا والله يا حسين دمائنا دون دمك ، وأرواحنا دون روحك .
وفي صبيحة عاشوراء وقبل أن ينزل الأسد الى عرينه أخذته إغفائة من نوم وزينب الى جانبه ، فلما أستيقظ قال يا زينب : لقد رأيت آنفاً سيدي رسول الله وهو يقول لي : يا حسين عما قريب ستكون عندنا ، بكت زينب لا لأنها جاهلة فهي تدرك أن عندنا من فم رسول الله يعني الشهادة والجنة ، إذاً لم تبكين ؟ ، أتبكين حسيناً فحسين سيكون عما قريب عندنا ، إنما زينب تبكي على نفسها وعلى حظها الأسود ، فقد فقدت جدها رسول الله وهي طفلة في الرابعة ، وبعد ستة أشهر فقدت أمها فاطمة ، وبعد فترة أخرى فقدت أباها علياً شهيد محراب الكوفة ، ثم فقدت بعد قليل الحسن مسموماً وهاهي ستفقد الحسين الغالي .
أيها السادة إنني حينما أزور بكم الحسين إنما أزوره لأنظر إليه نظرة تناطح الجوزاء وتضاهي الشمس في الجلاء ، حين أزور بكم الحسين وزينب إنما أزورهما على أن الحسين جهاد وعقيدة وعلى أن زينب عقيدة وجهاد ، وعندما أزورالحسين أزوره لتلتمسوا منه العظة ، لتتعلموا منه الدروس .
أيها السادة : وحين طلعت شمس يوم عاشوراء ، ونزل الأسد الى عرينه ، ودارت رحى الحرب ، وسار النقع فوق الرؤس ، وسكتت الألسنة وصمتت ، ونطقت الأسنة وتكلمت ، وخطبت السيوف على منابر الرقاب ، وبدأت الرماح تصوب نحو الحسين ، فتقدم ابنه علي الأصغر وكان شاباً ، تقدم يترس عن والده ويدفع السهام بصدره عن صدر عميد آل بيت رسول الله ، وفي النهاية خر شهيداً بين يدي والده ، فحمله الحسين الى خيمة زينب كوردة في باقة الصباح ، وأول سفير لآل بيت رسول الله الى الجنة في يوم كربلاء ، ويوم خرج الحسين من خيمة زينب ناداه القاسم – طفل صغير للحسين – يا أبتي الماء ، لقد بلغ القوم درجة من اللؤم فمنعوا الماء ، بنوا ستاراً بشرياً بين آل بيت رسول الله وبين الماء .
هل رأيتم أمة تمنع الماء عن آل بيت نبيها ، أبعد هذه المصيبة مصيبة ، نادى القاسم يا أبتاه الماء ، أهلكني العطش ، التفت الحسين إليه وقال يا قاسم : يعز على أبيك أن تناديه فلا يرد عليك في يوم قل ناصره وكثر أسره ، ولكن ياقاسم اصبر فبعد قليل نشرب من حوض رسول الله ، بعد قليل سنشرب من حوض رسول الله ، هل رأيتم أحوال الدنيا ، أبناء رسول الله يستغيثون من العطش وامواج الفرات تتكسر الى جانبهم ، من الذي يمنعهم ، أمة نبيهم تمنعهم ، إنها الدنيا لو ساوت عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء ، لو ساوت جناح بعوضة ما بقي الفرات بين أيدي الظالمين وبقي الحسين وآل بيت رسول الله عطاشاً ، إنها الدنيا :
تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب
هذه هي الدنيا :
تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب
وذو جهل ينــام على حرير وذو علم مفارشه التراب
إنها الدنيا ، بل إنه يوم عاشوراء ، إنها كربلاء نقطة سوداء في تاريخ الأمة وجبينها التي تركت جرحاً في جسم الأمة لا زال ينزف ويلتهب .
أيها السادة : ودارت رحى المعركة ، وبدأ من حول الحسين يسقطون على الأرض ، استغفر الله لا أقول يسقطون فحاشهم من السقوط إنما بدأوا يصعدون الى السماء بأرواحهم ليتحرروا من قيود المادة ويلتقوا بالأحبة محمداً وصحبه .
واعلنت الجنة حالة الطوارئ ، ووضعت الملائكة في حالة تأهب قصوى ، وجهزت الأسرة الخضراء لاستقبال الحسين ومن معه من آل بيت رسول الله ، وبين حين وآخر كان الحسين يودع قافلة جديدة ذاهبة الى الجنة حتى ظل الحسينوحده تتناهشه انياب أربعة ألاف ذئب ، أربعة ألاف مقاتل يصوبون سهامهم نحو الحسين الذي ظل صامداً ، ولا عجب فهو الذي ورث الشجاعة كابراً عن كابر ، إنه ابن علي داحي خيبر ، إنه سبط رسول الله الذي نادى يوم حنين بعد أن انهزم الناس [ أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب ] ، إنه بضعة من رسول الله الذي يقول فيه علي : كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله فما كان أحد أقرب الى العدو منه .
لكن في النهاية جاء اللقاء وخر الحسين صريعاً في ساحة كربلاء بعد أن طعن مئة وثمانين طعنة في جسده المبارك ، اجتمع القوم حول الحسين المضرج بدمائه ، المسجى ببردة رسول الله ، فقد كان يوم عاشوراء يلبس ثوباً من ثياب رسول الله ، الحسين يسبح في دمائه وزينب تنظر إليه ويداها عاجزتان ، اجتمع القوم ، ماذا يريدون منه بعد أن قتلوه ، بعد أن مزقوه ، إنهم يريدون أن يفصلوا الرأس الشريف عن الجسد ، كارثة ، هكذا أيها السادة صدرت الأوامر العسكرية من الطاغية ابن زياد ، أمر بفصل الرأس عن الجسد ، تسابق القوم لينال كل واحد منهم شرف امتثال أمر الطاغية دون أن يتفكروا رأس من يريدون ، رأس من هذا ، إنه رأس الحسين سبط رسول الله ، رأس وضعه النبي في حجره .
رأس مسح النبي جبينه فله بريق في الخدود
أبواه من عـليا قريش وجده خير الجدود
تقدم أيها السادة : أشقى القوم ، رجل يدعى شمر بن ذي الجوشن فصل الرأس عن الجسد .
أيها السادة : اسمحوا لي أن أقوم لكم : انني عندما اتحدث عن الحسين اشعر أن جسمي ينتابه رعدة شديدة وكأنما أقف في وهدة سحيقة اشخص ناظري الى قمة شماء عالية تنخلع الرقاب عند ذراها ويتربع على عرش التضحية في هذه القمة الحسين وآل بيت الحسين .
فصل الرأس الشريف ، وبعد أن فصل أمر الطاغية خيلها أن تدوس بسبائكها جسد الحسين فتمزقه ، أمة أيها السادة تدوس بسبائك خيلها جسد سبط نبيها لهي أمة عاقة ظالمة خائنة غدارة جاحدة بالنعمة قاطعة للرحم ، نعم ديس الجسد الشريف ولكن ! هل نزلت مكانة الحسين ، معاذ الله فقد ظل الحسين هو الحسين ، لقد داسوا جسده في غياب روحه وحياته كما تدوس الثعالب عرين الأسود الغائبة ، وظل الحسين هو الحسين رمز الطهر والنقاء ، ظل رمز الجهاد والتضحية .
إن الجواهر في التراب جواهر والأسد في قفص الحديد أسود
السبع سبع وإن كلت مخالبه والكلب كلب وإن قلدته الذهبا
ديس الجسد الشريف ، وحمل الرأس على الرماح تعبيراً عن انتصارهم على آل بيت رسول الله ، وسيقت زينب ومن معها ، اخذت بطلة كربلاء ومن معها من نساء بيت رسول الله أسيرات الى قصر ابن زياد ، بنات رسول الله سقن سبايا وأسيرات ، أليست هذه كارثة ، بنات رسول الله يسوقهن المسلمون أسيرات وسبايا ولا عجب إنها الدنيا كما قلنا ، قاتلها الله :
مدارس آيات قد خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
بنـات زياد في القصور مقيمة وبنت رسول الله في الفلوات
إنها الدنيا ، هذه هي الدنيا ، بل هذه عاشورائنا ، وهذه كربلائنا التي ما جرت على الأمة إلا الكرب والبلاء ، هذه كربلاء فماذا حدث بعد كربلاء .
ماتت زينب بعد سنة من مقتل الحسين ، قضت سنتها قائمة صائمة حتى اختارها الله الى جواره ، وأما الطاغية ابن زياد فقد صرع ، مرض بالصرع وقتل في الصحراء واكلت جسمه الكلاب العاوية ، وأما شمر الذي فصل الرأس عن الجسد فقد أصيب بمرض الاستسقاء ، وكان يطلب الماء ليشرب وما أن يخرج الإناء من فمه حتى ينادي الماء أنا عطشان وظل هكذا حتى مات ، وأما المستبد حاكم دمشق يزيد الذي جر بكربلائه على هذه الأمة الخزي والعار والفتنة والفرقة والأشلاء والدم ، أما يزيد فقد مات مجنوناً ولم يعمر بعد الحسين إلا قليلاً ، إنها لعنة كربلاء ، أما الحسين فقد ظل هو الحسين ، ظل رمز جهاد ، وظل رمز تضحية ، وظل يحرك بدمه ، بقطرات دمه الطاهر التي نزفت في كربلاء ، ظل يحرك عروق النخوة والغيرة في أبنائه ، ظل الحسين رمز الوقوف في وجه الظالم ، ظل الحسين خير مثال لكلمة حق عند سلطان جائر .
أما أنتم أيها السادة : فما شأنكم بعد كربلاء ، هل أخذنا العبر والعظات من كربلاء ، أم أننا كما قال الشاعر :
إذا أمرنا أو نهينا كأهل كهف أيقاظ نيام " 

الخطبة كاملة سوف يتم تحميلها بالصوت قريبا 

الهجرة وما قبلها - الاغراء - خطبة جمعة لشيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي

خطبة جمعة لشيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي


خطبة جمعة في جامع صلاح الدين الأيوبي بقامشلو

سلسلة الهجرة الرقم 2

أيها الاخوة : كلنا يعلم أن شهر ربيع موسم لمولد رسول الله   غير أن الكثير منا يجهل أن شهر ربيع هو أيضا موسم لهجرة رسول الله ، وذلك لأن المسلمين يحتفلون في الاول من محرم بالعام الهجري لأن السنة القمرية التي ارتبط بها العد التصاعدي للتاريخ الهجري يبدأ بمحرم ، أما الهجرة فقد وقعت في شهر ربيع كانت الهجرة من الغار في غرة ربيع ووصل النبي   الى قباء في الثامن منه ودخل عليه الصلاة والسلام المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع وهو يوم مولده ، ولحكمة يعلمها الله جاءت المناسبات في هذا الشهر ، ولعل من دلائلها أن يعلم المسلمون أن الهجرة في حقيقتها ولادة أخرى للدعوة الاسلامية جاءت بعد مخاض طويل في مكة دام عشر سنوات ، كان هذا المخاض عبارة عن تعذيب وارهاب ومقاطعة وحصار وجوع وعري يخالطه في بعض الاحيان استهزاء وسخرية ، بل ضرب وقتل واعتداء على الاموال والانفس والثمرات والارض والعرض ، صب كل ذلك على اناس ضعفاء محرومين فقراء املاً من قريش في نزع فتيل الايمان الذي اوقده رسول الله   في صدورهم ، واتلاف بذرة الايمان التي استنبتها رسول الله   بين جوانحهم وفي قلوبهم ، غير أن قلوب هؤلاء الضعفاء الفقراء كانت اقوى من كل طغيان وبغي وعوان ، فثبتت في المحنة وصبرت على البلاء وتصدت لكل العواصف وصمدت في وجه قوى الشر والطغيان، وزحفت جحافل هؤلاء الضعفاء بأبدانهم الاقوياء بقلوبهم ، وزحفت جحافلهم تنشر رايات الحق والعدل في أصقاع المعمورة مستمدة قوتها وعزيمتها من إيمانها المطلق بربها وحبها اللامتناهي لنبيها محمداً   .

ايها الاخوة: ليست ملحمة الهجرة قصة تتلى ، ولا حكاية تروى بقصدالمتعة والتسلي ولكنها الحادث الجلل في كفاح الدعوة الاسلامية والتحول العظيم في مجرى التاريخ والنجم الذي تألق في سماء الاسلام والمسلمين ، وستظل ملحمة الهجرة درة على جبين الانسانية الخالدة ما دامت البشرية لها مكان ومكانة في هذه الحياة ، لانها قصة الايمان الذي لمس شغاف القلوب ، وقصة العقيدة التي امتزجت بدم المسلم ولحمه ، وقصة الدين الذي سيطر على النفوس وغمر المشاعر ، وقصة الحب الذي استولى على القلوب والعواطف حتى غدا المسلمون الأولون على درجة من الصفاء النفسي ، والشفافية الروحية والاتصال القلبي بالله عز وجل ، ما أهلتهم لان يفدوا الدعوة ونبيها بالروح والمال والاهل والعشيرة ، وهي علمتنا أن المهاجرين الأوائل ما عرفوا اسلامهم صلاة فحسب ولا صياماً فقط ، ولا عبادات فارغة جوفاء لا خشوع فيها يؤدونها علىعجل حتى اذا انتهوا منها تنكروا لنتائجها وساوموا على قيمها ، انما كانت صلاتهم صلة بينهم وبين الله ، وصومهم امساكاً عما يغضب الله ، وكانت العبادات بالرغم من قلتها في عهد ما قبل الهجرة روحاً ومعناً ولباً ، فظهرت نتائجها في حياتهم العملية صفاء في نفوسهم ، طهارة في بواطنهم حياةً في قلوبهم ، نقاءً في ضمائرهم ، ليناً في طباعهم ، رقةً في تصرفاتهم ،كرماً في اخلاقهم ، استقامةً في سلوكهم ، انصافاً في حكمهم ، عدالةً في قضاءهم ، صدقاً في اقوالهم ، امانةً في رواياتهم ، صلابةً في مواقفهم ، سداداً في آرائهم ، قوة في شخصياتهم ذلاً لأخوانهم ، عزة على اعدائهم ، شجاعةً في معاركهم ، اجتماعاً في شملهم ، وحدة في صفهم ، جسماً واحداً في شعورهم بآلامهم وآمالهم.

ايها الاخوة : تأتي اهمية ملحمة الهجرة في كونها ليست هجرة جاءت بحثاً عن استقرار وتنعم ورفاهية ولذة ، ومداخيل عريضة وثروة ، انما جاءت انطلاقا من قيود الشرك وتحررا من سلطان الجاهلية ، وثورة على القسوة ، والقمع والارهاب ، وانتفاضة في وجه الباطل ، انها حقاً حادثة حقيقية تاريخية استثنائية مليئة بالدروس والعظات والعبر والصور التي يجب ان تظل ماثلة امام اعيننا دائماً ، وخاصة في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها المسلمون ليعلم الناس أي ثبات على الحق كان يقفه رسول الله ، وأي صراع مع الباطل خاضه رسول الله وأية ظروف صعبة مرت بها دعوة رسول الله واي مرحلة شاقة انهتها هجرة رسول الله .

فرسول الله   بمجرد تلقيه اشارة التبليغ من السماء صدع بامر الله وسلك كل طريق ليوصل الدعوة الى الناس اجمعين ، وخاصة أهله وعشيرته الأقربين بالمقابل ما ترك هؤلاء الناس حيلة إلا اتبعوها ليردوه عن دعوته ويجعلوا بعثته خبراً بعد عين ، لقد حاولوا اغرائه بالمال والملك والنساء ، ليثنوا عزمه ، ففشلوا ثم عذبوه هو واتباعه ففشلوا ، ثم ضغطوا عليه عائلياً ليعزلوه ففشلوا ، ثم قاطعوه وحاصروه في الشعب ثلاث سنين هو ومن وقف معه في محنته ففشلوا ، واخيراً حاولوا تصفيته جسدياً ففشلوا ، ورسول الله لا يبالي كيف وهو الذي انزل عليه قول الله ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  67  ﴾ سورة المائدة ، فطبيعي أن يصدع هذا الرسول بأمر الله ويقتحم حصون الوثنية ، ويهدم قلاعها ، وينسف كيان الجاهلية ، ويعلنها حرباً سافرة ، على الاوضاع الفاسدة ، والعقائدة المنحرفة ، والجاهلية الضالة ، والطواغيت الجاثمة على صدور الناس والألهة المزيفة التي تتحكم بإرادة الشعوب ورقاب الامم .

أيها الإخوة : إذا كانت خطوات قريش للدعوة أهم من أن تفصل في جمعة ، بل تحتاج الى اكثر من جمعة فإني استغل خاتمة هذه الخطبة للحديث عن خطوة من خطواتها ، وهي تجربة الاغراء بالمال والجاه والنساء ، هذه التجربة التي سلكتها قريش مع رسول الله لثنيه عن دعوته ظناً منها أن رسول الله   من ضعاف النفوس ومرضى القلوب ، الذين إذا لاح لهم بارق من الطمع نكصوا على اعقابهم وارتدوا عن مبادئهم، ولكن هيهات فمحمد لا تساوي عنده الدنيا جناح بعوضة ما لم تكن برضى الله وفي خدمة دين الله .

وكأني الأن أرى عتبة بن ربيعة وهو سيد من سادات قريش ، يتقدم نحو رسول الله ليمارس الدور بالنيابة عن قريش ، فيقول له يابن أخي : إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا ، حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله -   - يستمع منه قال أقد فرغت يا أبا الوليد "   قال نعم قال " فاسمع مني " ، قال أفعل فقال بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ حم  1  تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  2  كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ  3  بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ  4  وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ  5  قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ  6  الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ  7  ﴾ سورة فصلت ثم مضى رسول الله -   - فيها يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما ، يسمع منه ثم انتهى رسول الله -   - إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد   قال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة . يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم .

ثم ارسلت قريش الى رسول الله تدعوه الى ناديها لتخاطبه مجتمعة خوفاً من أن تخسر الوفد وراء الوفد والشخصية تلو الشخصية ، وجاءهم مسرعاً ظناً منه أن بدا لهم فيما كلم عتبه امر ، وكان حريصاً عليهم يعز عليه أن يراهم يحرقون انفسهم بنار الشرك والجاهلية ، فإذا بهم يعيدون مقالتهم السابقة التي حملها عتبة اليه مال وشرف وملك ونساء واخيراً علاج حسب جهلهم فقط دع ما انت فيه حينذ قال لهم : ما جئت بما جئتكم به اطلب اموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني اليكم رسولا ، وانزل علي كتابا وامرني ان اكون بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ، فان تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة ، وان تردوه علي ، اصبر لامر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم .

ورفعت الجلسة هكذا بكل قوة وبكل بساطة ايضا ، لا مساومة ولا مداهنات ، لا انصاف حلول ، لا دنيا لا زخارف لا اهواء لا شهوات ، بل كل ذلك ذابت امام عظمة هذا الرجل الذي اظهر ثباتاً اضاء الدنيا وبدد ظلامها وانقذ الانسانية من قيود الطغيان وعبادة الشر والمال والملك ، ولا عجب فهو الذي قد قال لعمه : والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله او اهلك دونه ، ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ  1  لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  2  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  3  وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  4  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  5  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ  6  ﴾ سورة الكافرون .

واليوم أيها الاخوة : أين رست سفينة امة محمد ، وما موقفها من الإغراء والمال والجاه والملك والنساء ، هل تستمد من سيرة المصطفى وثباته القوة والمدد ، أم أن المال أغراها وجمال المرأة اعماها ، ونشوة الملك أسكرها ، وعظمة السلطان خدرها ، يؤسفني أيها السادة أن اقول: أن بيننا وبين ذاك الثبات بون شاسع ، وفجوة عميقة ، فكم خسرنا رجالاً لم يقاموا بريق الذهب ، وكم فقدنا أناساً جنوا بإمرأة ،وانخدعوا بمومسة ، كم هدمت عوائل ، واحرقت بيوت ، ونسفت مدن ، وهجرت شعوب ، بسبب مصالح تافهة ، وانتماءات مشبوهة ، وارتباطات قذرة ، كم بدلنا مواقفنا اقدما او هزيمة ، كم غيرنا اتجاهاتنا ذات اليمين وذات الشمال ، كم مدحنا أشخاصاً يوم كانوا على سروج خيلهم حتى اذا ولت أيامهم أسأنا اليهم ولعناهم ، كم ابحنا وحرمنا واصدرنا فتاوى متناقضة ارضاء لزيد او خوفاً من بطش عمر ، ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ  1  لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  2  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  3  وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  4  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  5  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ  6  ﴾ .






اعداد القسم العلمي بمركز احياء السنة للدراسات الاسلامية


جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة الخزنوي| إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : مستر ابوعلى