Ma'shuq Foundation

Ne şêx bû, ne jî bi tenê pîrozmendekî me bû, têkoşerê evînê bû, xweşik mîna giyan û zelal mîna eşqê bû. Çîroka me ji me re şirove kir, em fêrî evînê, silavê kirin û em fêrkirin em dê çawan welat di maçekê de kurt bikin. Em fêrkirin em dê çawan şehîdên xwe bi stiranan rapêçînin. Şêxê me bû, hevalê me yê ku me jê hezdikir û hezdikin, bû. Şehîdê biyan, şehîdê dastana hişê me yê nû, hevalê me yê ku tembînameya me bi destê xwe nivîsand û hetahetayê nemir. Em hr tem  di salvegera  jiyana wî de silavekê lê dikin!
لم يكن شيخا، ولم يكن قديسا فقط ، كان داعية للحب جميلا مثل الروح ونقيا كالعشق شرح لنا الحكاية ،علمنا كيف نحب ،كيف نصافح ،كيف نختزل الوطن في قبلة ،كيف نلف الشهيد بالاغاني ،كل ذلك كان مولانا الشيخ ،رفيقنا الذي نحب ،الشهيد الغريب ،الصديق الذي كتب وصيتنا ولم يمت.  نحييه في كل ح¡

إلى الشيخ الشهيد بالمغلف المفتوح

عمر كوجري
لأنك نقي مثل دمع أمي ..لأن طيب كلامك عذب فرات ،ولم تصب في حياتك بلوثة أيامناوآثامها ..لأنك بسيط مثل شمس تشرق على العباد كل صباح من غير أن تنتظر شكراًًمن أحد .

فوددت أن أسطرلك رسالة ،ولي يقين أن الخطوط مقطوعة بين عالمي المليىء بالليل الطويل الذي لاينجلي ،وعالمك المتسم بالاشراق والصفاء .أعلم ياسيدي أني تأخرت عليك كثيراً،وأعلم أيضاأنك ًقررت الرحيل إلى تلك السدرة الصافية.ربما لم تطق عالمنا ..أو أن الخفافيش قد ارتعبت وأصابها العمى وهي تصفع من النور الذي كان يشع من عينيك ومن سحر بيانك فقررت أن تعجل برحيلك، وودعتنا من غير أن نكون مستعدين لذلك الوداع .لقد كنا غارقين ياسيدي لأقصى درجات الغرق في شؤون يومنا،كنا نكافح لنرد بسمة اغتيلت على شفاه أطفالنا.كنا نجاهد لئلا يستنفذ من الهواء بقية في صدورنا،ونحلم بالغد الذي نرسمه في خيالناجميلا ونضراً.وإذا بك تفجر ينابيع الدموع في مآقينا،وتجرح قلوبنا،وتشظي أمانينا

سيدي:
لاأدري لماذاكنت قلقاًأهيم في الفراغ لحظة سمعت باختفائك.في قرارة نفسي قلت :يارب أتضرع إليك باسم الأسى الذي يروي أرض بلادي،فيطلع العشب مطرق العين على الأرض كسير الفؤاد.

أرجوك احفظ لنا هذا الشيخ الجليل ؟فنحن أمةلا يلين عزمها وهي تنجب العظام.ولكن أن يأتي هذا العظيم من مدرسة كثيراً ماشعرناأنها انتعشت ًعلى حساب أن نؤجل كل نتوق إليه من حرية،ومشاعر تطرب القلب إلى وقت آخر!!

لهذا أحببناك.لقد رسمت لحياتك خطاًواضحاَهو أن لايطغى شىءعلى شىء .فللدين والدعوة إليه صفحة من حياة المرء،وللتفكير ببني قومك مساحة من الوقت،الكيانات والحكومات قد همشت الكرد والجغرافيا ضربتهم على أيديهم،وقد كانوا فاتحة الفتوحات منذعهود سحيقة.والآن تتوعدهم الذئاب من كل جهة،وهي تتحضر لتقبض على ما تبقى لهم من حلم وهو أن يروا وطنهم يستعيد عافيته،وصاروا بين أمم الارض قيمة ومعنى.

نعم ياسيدي:فما إن تناهى إلى مسمعي أنك لاتتنفس الهواء الذي نبلعه، قلت في خلدي:ياإلهي إنهم يبحثون عن الجبل في الزوايا،وبين حفيف الشجر أو على سطح القمر،وهو بينهم بكل شموخه.ياإلهي على ماذا راهن هذا الجبل وهو يسير في الشوارع، ويسلم على هذا وذاك،ويكتب ويبحث في بطون الكتب في وضح النهار عن ما من شأنه أن يرفع من قدر أمته ؟ أم أنه قرر أن يدخل ساحة المواجهة من وسيع بابها. وأدرك أن لامجال للمواربة والمحاباة والتنصل من ما يمكن أن يقال، ولو تكلف هذا القول روح المرء. لقد كنت يا سيدي تعرف أن لكلماتك وقع الصاعقة في قلوب الخفافيش ،كنت تعرف أنك تلعب بالنار. ورغم ذلك وضعت روحك على كفك .لهذا كنت تشعر أن أيامك معدودة .كان حدسك وقلبك الناصع يخبرانك بأن ماتصرح به سواءًفي ساحة البلاد أو في المحافل الدولية والمؤتمرات لخطير للغاية، لكنك أيها الشجاع رفعت من سقف الكلام إلى آخرالمدى على مبدأ:إن قلتها، مت،، وإن لم تقلها مت،فقلها ومت

سيدي الشيخ:كلما تزور ذكراك خيالي أحس بوجع في نفسي لأن كل أصدقائي وأحبائك كتبوا عنك وخلدوا ذكراك إلاي لاأكتمك سراًأنني حاولت غير مرة بيد أني كنت أفشل في كل مرة فما إن استعد لارتكاب الكتابةحتى تتسابق الدموع ،وتهطل من عيني على الورق الابيض، وتلف الاحزان أصابعي،وتنقبض شهيتي للكتابة،فأقنع حالي بأن لاكلام يكون بمستوى ومرتبة وعظمة الشهيد معشوق الخزنوي،وهو أعلى من أي كلام،وأرفع شأنا من مدح أو رثاء.لكنني في آخر المقام تحاملت على حزني الكبير،واستجبت لنداء الروح فيما تخطه بقلم مدمى.فأرجو ألا أكون متأخراًعليك

شيخي الكريم:

الأمم تشمخ برجالاتها و كنت سيد الرجال،ولو كتب لك عمر أكثر لكنت قد منحت شعبك الكردي أضعاف مايستحق،وقد علمتنا ياسيدي أن شعبنا الكردي يستحق منا كل غال ونفيس ..يستحق منا أن نبذل أرواحنا في سبيل أن يكون للكرد كلمتهم في دفتر التاريخ.

أتوقع يا سيدي أنك الآن في ملكوت الله منشغل بتوزيع عطر المحبةإلى عبادالله،وأنك تناسيت جور من أهرقوا روحك،وسلمت أمرهم لله،وهناك تبحث عن أصدقاء جدد للكرد ،وتعلم الآخرين :أن تكون مؤمناًبالله لايعني أن تنسى آهات الثكالى، وأنهار الدموع التي تهدر بصخب كل يوم من أرضك الكردية،ولايعني أن تتنكرللبنفسج وباقي الأزهار الحبيبات التي تعشق الانتعاش والرقص في سهوب أرضك، وتلعب في جنانها وملاعبها ...نعم ياشيخي مازلت هناك تتقبل نكران الآخرين لحقوق أهلك الكرد بوداعتك المعهود ة وصبرك العظيم، فيتحول الخصوم إلى مناصرين للشال الكردي وشابكه.

بمقدورك يا شيخي أن تنعم بهناءة النوم فشعبك الكردي خلَد ذكرى رحيلك إلى ماشاء الله،ففي هذه السنة اجتمع كما كنت تحب الشعب الكردي والكثير من أصدقائه ومحبيه لإحياء ذكرى الألم،اجتمعوا وخلفهم ألوان أضفت على المكان المهابة،والقداسة، وكانت روحك تعطر اللقاء وتحرض الجميع على المحبة .

هناك كانت الحركة الكردية والمثقفون والنساء والشيوخ والأطفال .

كل من اتفق ألايتفق كان موجوداً،
 وتناسى خلافاته ومشاحناته وحروبه الصغيرة

نعم ياسيدي:
محبوك خلدوك بأقلامهم العطرة،وشكلوا باسمك الجمعيات والمنتديات ووزعوا على شرفك الجوائز،وأكثروا من نشاطهم أكثر من ذي قبل.حاول شعبك الكردي أن يمنحك قدر ماأعطيتهم.

سيدي: في جميع لقاءاتك كنت تحض شعبك الكردي على الاستبسال من أجل نيل حقوقه"وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون" هكذا كنت تهدد ظالمي شعبك،وكانت جوانحهم المريضة تتداعى وهي تسمع كلماتك التي كانت تجزهم جزاً،وكنت تقول :اعملواأيها الكرد لدينكم ولقوميتكم.

وها نحن أيها الشيخ الجليل نترجم أقوالك أفعالاً.وبحول الباري في رسالة قادمة إلى حضرتك سأخبرك عن انتصارات شعبك، وسنجتمع على صدى كلمة بينناسواء،أرجو ألا ينشغل بالك كثيراً بنا رغم إحساسي بصعوبةهذا الرجاء. لقد قررنا أن نكون صناع المستحيل وهذا ليس إنشاء أو كلاماً في الهواء في هذا الزمن المستحيل ..قررنا الثأر لدمائك بالكثير من العمل والقليل من الكلام

ختاما:
 بلغ تحياتي لكل الصديقين والطاهرين في ملكوتكم الأعلى ،ودمتم خالدين في عدن الله وفي حنايا القلوب .ً

2006 /6/ 6 دمشق

سيبقى الشيخ معشوق الخزنوي قائدا وداعية للتغيير



انتفاضة 12 آذار 2004 التي بدأت من مدينة القامشلو احدثت تحريكا للراكد السياسي الكوردي وهلعا قويا لدى النظام وكان من نتائج هذه الانتفاضة كوردياً اعادة النظر في المفاهيم القديمة واتخاذ مواقف على ضوء المعطيات الجديدة مما حدا بالبعض من القوى الحزبية اعلان وحدات اندماجية وتموضعت اخرى في اطر المعارضة الوطنية وانطلقت حركة احتجاجية واسعة كانت عمادها الشباب الكورد بذهنية جديدة تجاوزت الكلاسيكية والتردد وكسرت جدار الخوف المحكم في الوسط الشعبي داعية للاصلاح والتغيير بقيادة الشخصية الدينية الكاريزمية التي قل نظيرها الشيخ محمد معشوق الخزنوي فقد وجدوا فيه ضالتهم والتفوا حوله في حله وترحاله حيث تمكن من ترجمة لسان حالهم بدقة متناهية وباختصار في كلمته التابينية على ضريح أحد ابطال الانتفاضة الشهيد فرهاد محمد صبري الذي استشهد في اقبية الامن السوري متحديا تعذيبهم رافعا صوته في مواجهة جلاديه بان النصر حليف الشعب الكوردي حينها قال الشيخ الشهيد بان الحقوق ليست صدقات ومنح تعطى من المستبدين ....


بل مضى عشر سنوات على انتفاضة اذار وتسع سنوات على استشهاد شيخ الشهداء محمد معشوق الخزنوي الذي استلهم فكر الشباب والانتفاضة ويعتبر بحق القائد والداعية الاول للاصلاح والتغيير والتجديد بين اوساط الشعب الكوردي في مواجهة القمع والاستبداد والحرمان وثقافة الخوف بالفعل والقول اجل فنخن احوج مانكون لتعميق هذه الثقافة والاقتداء بمقدامية وروح التضحية لدى الشيخ الكاريزمي الشهيد ونبذ الكلاسيكية والرتابة المعتادة في السلوكية السياسية الكوردية التي تعمم من خلال تطبيق مبدأ "الديسبلن " ونفذ ثم اعترض في ذكرى رحيله الذي صادف يوم امس عزاؤنا بان جيل الشباب ممن استلهموا ثقافة الانتفاضة واعتبروه رمزا وامثولة للتمرد على الواقع المخزي في شتى المجالات بانهم ماضون في طريقهم نحو الهدف غير آبهين باي معتاد كابح تحية لروح الشهيد محمد معشوق الخزنوي وكل شهداء انتفاضة آذار المجيدة

شيء في ذاكرتي في ذكرى استشهاد العلامة الكردي الشيخ معشوق الخزنوي

 دجلة قامشلو
في فترة ما بعد نوروز 2005 صار أسم الشيخ معشوق الخزنوي يطرق سمعي دائماً... فعندما تم الأفراج عن مساجين 12 آذار 2004 نتيجة حوادث قامشلو المؤسفة وما ترتب عنها من قتل وجرح وسجن بعض الشباب من قبل الشوفينيين، الذين لم يرق لهم ما حدث في كردستان العراق من تطورات إيجابية لصالح الكرد، فقاموا بافتعال المشاجرة في ملعب كرة القدم في مدينة قامشلو بدفع جمهور الفتوة القادم من دير الزور للاعتداء على جمهور قامشلو،
ودعم شرطة النظام لهم في اعتدائهم السافر على الجمهور بشكل وحشي لم يسبق له مثيل...
سمعت إن الشيخ معشوق الخزنوي قد زار كل المفرجين عنهم، وأنه تحدث في حفل تأبينهم وقال كذا وكذا....
ولكن ما حزّ في نفسي وأحزنني هو استماعي لخطبة الأستاذ الدكتور محمد صالح في الجامع كل جمعة، وفي إحدى خطبه تحدث عن الشيخ معشوق فقال "لقد أجرت إحدى القنوات الفضائية التلفزيونية مقابلة مع إحدى الشخصيات في بلدنا والذي تحدث فيها بأشياء لا تليق بديننا الحنيف، إنه أتى بأشياء خارجة عن الشرع الإسلامي والعقيدة الإسلامية، ولكنني شاهدت واستمعت إلى تلك المقابلة وغيرها من المقابلات التي تجريها القنوات الكردية مثل قناة كردستانTv ورج Tvمع الشيخ محمد معشوق الخزنوي وقد استمتعت بتلك المقابلات، كما استمتعت بخطابه في نوروز 2005 وقد رأيت واستمعت إلى حقيقة الإسلام وروحه وما فيه من قيم إنسانية واجتماعية وأخلاقية راقية، فالشيء الجديد إن هذا الشيخ قد تحدث في تلك المقابلة عن مرونة المعايير الإسلامية، والتطور الذي يتناسب مع الدين الإسلامي في كل مراحل التاريخ، فتحدث عن شهادة امرأتين مقابل رجل واحد، وقال بأن في أيام الرسول كانت المرأة متخلفة وجاهلة، كما هي في عصرنا، فلو كانت المرأة أيام الرسول كما هي في عصرنا، فقال أظن بأن امرأة واحدة كانت تكفي للشهادة، ولم يقل جازماً، ثم تحدث عن سألة البنوك والمصارف وقال لولا هذه البنوك والمصارف، وفرق بين الربا وهذه البنوك وقال: لولا هذه المصارف في أيامنا لأنحرم الكثيرٌ من الناس من استملاك بيت صغير للسكن، وكذلك أنحرم الكثير من الشباب من الزواج، وقال بأنني أستطيع القول إن لهذه البنوك والمصارف فوائد أكثر من مضار فهي تساعد الناس في كثير من الأحيان.
أعود إلى خطبة محمد صالح فقد قال إن هذا الرجل ويقصد به العلامة الكردي الشيخ معشوق الخزنوي، فهو لم يذكره بالاسم حتى لا يتهم ويسأل عن كلامه، فقال إنه خارج عن الشريعة الإسلامية لأنه يدعي بأنه أعلم من الله والرسول وأصحابه حسب رأي الخطيب حقيقة شعرت بضيق نفسي عند سماعي لكلام الخطيب عن الشيخ معشوق وكدت أن أقوم من المسجد، أو أثور في وجهه، ولكن آداب الجمعة منعتني من ذلك، وقال على المسؤولين في الدولة أن يوقفوا هذا الرجل ويمنعونه من التحدث باسم الدين، وحسب رأي الخطيب كما فهمت أن الشيخ معشوق خارج من أصول العقيدة الإسلامية هذا الخطيب الذي لم يقول عن داعش وأخواتها
خارجة عن الدين رغم كل جرائمها لكنه رأى الشيخ خارجاً، لا لشيء لأنه يقف مع قومه الكرد في قضيتهم ولكن على ما سمعت إن هذا المضمون كان متفقاً عليه بين الخطباء جميعاً، حينها استنتجت أن وراء هذه الخطب أشياء!!!.
وقتها تذكرت قراءاتي عن البعض من رجال الدين ودورهم السلبي على الحركة الكردية عبر التاريخ ومنهم ملا حسن خاطي الذي كان سبباً في فشل ثورة مير محمد عندما كلفه السلطان وقتها بأن يقول على المنبر: من يتبع مير محمد في ثورته فهو ديوذ وزوجته طالق منه، والكرد مشهورون بتفضيلهم دينهم على قوميتهم وهذا سر الإخفاق لمعظم الثورات الكردية في وجه الطواغيت.
نعم لم يقلها الخطيب محمد صالح من فراغ... وقد أصبحت صورته المحترمة أمام عيني قزمة صغيرة وكأنه صورة كرتونية مفرغة من قيمتها، منذ ذلك اليوم لم أعد أذهب إلى جامع ولا استمع إلى خطبة، قبل أن يجري للشيخ ما جرى وكأنني استقرأت ما سوف يجري لهذا الشيخ الذي كان مصيره كمصير غيره من الشيوخ الذين حاولوا أن يتقربوا من قضايا شعبهم، نعم كان هذا مصير الشيخ سعيد البيراني وسعيد النوري الكردي وسيد رضا والملا مصطفى البرزاني رحم الله جميع هؤلاء.
نعم لقد أطلق الخطيب قرار الإعدام أمام جمهور المستمعين المصلين في خطبته تلك ولقد صدق حدثي وظني عندما قالوا بأن الشيخ معشوق قد أختطف!!!
عند ذلك تذكرت تلك الجمعة وخطبة الأستاذ الدكتور محمد صالح عن الشيخ الجليل محمد معشوق الخزنوي، فقد ترددت الأقاويل وأختلف الآراء حول سبب اختطافه، والمختطفين له، فمنهم من يقول أنه كان عميلاً من الدرجة الأولى ولذلك اختطفوه كي يحببوه إلى الناس ويجملوا صورته، فهو يؤسس حزباً كردياً مجرد رجوعه عودته، وبعض البسطاء يقولون أن الجماعة السلفية في العراق هي التي قامت باختطافه وغيرها من الآراء المجحفة، ومضى يوم ويومان وأكثر والشيخ معشوق الخزنوي متواري عن الأنظار والقلوب، لقد تغيب عن جامعه في "حلكو" لقد تغيب عن محبيه لقد تغيبت كلماته، ذات الوقع الخشن على النفس وعلى الروح من مستمعيه، إذاً لقد رحل الشيخ معشوق ولا أحد يعلم أين هو!!؟. لقد أستشهد الشيخ، لقد اغتيل عندما أخرجوا مسرحية تلفزيونية قصة الاختطاف وأجروا المقابلة فيها مع مختطفيه وكانوا أناساً من جماعة الشيخ محمد الخزنوي، فقال المذيع التلفزيون السوري: والآن لنا لقاء مع الأخوة المجرمين وأرتبك في كلماته وهؤلاء المجرمين، كانوا أنيقين يحتسون الشاي وهم يتكلمون بحرية تامة، وضبط الأعصاب، ويسردون القصة المفبركة الخيالية عن رجل اختطف من دمشق وقتل في حلب، ودفن في دير الزور، هؤلاء المختطفين المجرمون الذين لم نراهم إلا وهم على التلفاز أما كيفية القبض عليهم وكيفية التحقيق معهم ومحاكمتهم وكيفية اعترافهم بجريمتهم، ففيه غموض.

حينها تذكرت أوجلان المختطف من دمشق إلى إيطاليا ثم إلى روسيا السوداء وطاجيكستان ثم اليونان وسماوات أوروبا ثم إلى كينيا ثم تركيا وجزيرة أمرالي وهو معصوب العينين ومخدر كما خدر شيخنا فقلت حينها مسرحية ومخرجوها ألف ملعون....

في ذكرى شيخ الشهداء حوار مع الكاتب والسياسي الأستاذ محمد سعيد آلوجي



حاوره : هدى صبري 
محررة بموقع ( www.khaznawi.de) 
تقدمة الضيف : 
الأخوة القراء : يسعدنا في هذه الحلقة أن نستضيف الكاتب والسياسي الكوردي الأستاذ محمد سعيد آلوجي.
الأستاذ محمد سعيد هو من مواليد عامودا 1945، عمل موظفاً لدى مديرية الزراعة بالحسكة ما بين الاعوام 1970 ـ 1985 ، حيث تعرض خلال خدمته إلى مضايقات أمنية شديدة ومكثفة ، الشئ الذي أجبره على ترك الوطن لعيش منذ ذلك الوقت وحتى الآن في منفاه بألمانيا ، دون أن يتلقى أية مؤشرات إيجابية تشجعه لا على العودة إلى الوطن ولا حتى لزيارة أهله هناك الذين افتقدهم الواحد تلو الآخر ، حيث لم يتمكن من حضور تشييع جنازات كل من والديه وأخيه الأكبر و آخرين . 
ـ التحق بالحزب اليساري الكردي في سوريا عام 1967، حيث تولى فيه المسؤولية التنظيمة للطلبة الأكراد في فرع الحسكة عام 1970 وكذلك المسؤولية التنظيمية للطلبة الأكراد في دير الزور إضافة إلى مسؤولية السابقة. 
ـ وانضم إلى صفوف البارتي عام 1973 بعد اعتقال معظم قيادتها ليعمل فيها كمسؤول عن الطلبة في فرع الحسكة.
ـ أنتخب في ثمانينيات القرن الماضي عضواً في منطقية الجزيرة ليتولى المسؤولية التنظيمية للبارتي في الحسكة ودير الزور وسري كاني "المعربة إلى رأس العين" والذي استطاع أن يثبت تنظيم للبارتي فيها بمساعدة المغفور له الشاعر الكردي الكبير يوسف برازي"بي بوهار" وبعض من أقاربه ...
ـ انتقل في نهاية عام 1985 إلى ألمانيا كلاجئ سياسي حيث كلف آنذاك بمهام إعادة تنظيم الحزب وتمثيله وبمهام الناطق الرسمي للبارتي فيها ، كما ساعد في بناء منظمة أوربا للحزب ليصبح عضواً فعالاً عن ألمانيا فيها.
ـ كلف بمهام تشكيل منظمة التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا على الساحة الأوربية عن حزبه ليتمكن مع أعضاء مكلفين من باقي الأحزاب الكردية من ترسيخ القواعد الأولى للتحالف على هذه الساحة وشارك في مهام تنظيم أول فعاليات باسمها.
ـ كلف بمهمة تشكيل قيادة للجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا بأوربا عن حزبه.
ـ قدم استقالته من الحزب ومن كافة المهام الموكولة إليه من قبل الحزب بتاريخ 07.01.2007 لأسباب تنظيمية بحتة على إثر نشوب خلافات تنظيمية مع السيد عبد الحكيم بشار الذي كان قد كلف بمهام مسؤولية أوربا للحزب.
ـ أطلق منذ أكثر من خمس سنوات موقع www.kurdistanabinxete.com الإلكترونية حيث تولى مهمة رئيس التحرير فيها.
ـ وبمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي كان لنا معه هذا اللقاء . 



صبري : الاستاذ محمد سعيد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلا بك في هذا اللقاء . 



الأستاذ آلوجي: وعليكم السلام وأهلاً ومرحباً بكم.



صبري : الاستاذ محمد سعيد تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لاختطاف واغتيال شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي على أيدي المخابرات السورية ، كيف تتذكر الحدث وماذا يعني لك.



الأستاذ آلوجي: قبل أن أبدأ بالدخول في هذا الموضوع المؤلم وأجيبكم على ما ترغبون سماعه مني ، أود أن أنوه إلى ما أرتم أن تعرفونني به "ككاتب وسياسي" لأقول لكم بأنني لا أستطيع أن أعطي لشخصي صفة كاتب بالرغم من ظهور البعض من كتاباتي بين حين وآخر ، هنا وهناك ، في مواضيع تخص قضيتنا الكوردية وحركتها السياسية ، حيث أن تعاطي مع السياسة وتفاعلي مع الشأن العام من أجل أن أساهم في الدفاع عن قضايا شعبي ، وأساعد في تخفيف معاناته قد أخذ مني معظم وقتي ، وعلى مدى حوالي أربعة عقود من الزمان دون أن امنح الوقت الكافي وحتى الآن لأدون بعض مما جمعته من معلومات ، وما يكون قد تراكم عندي من مواد فكرية وسياسية وتنظيمية وغيرها ، حيث كنت سأتقرب بلا شك من مجالسة الكتاب وروابطهم إن كنت قد تمكنت من تدوينها ونشرها، وهو ما أصبح الآن بالنسبة لي من الأمور الأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى وقبل أن يفوتني الأوان..



أما عن كيفية تذكري لهذا "الحدث" فأرجو ألا يفهم منه بأنه حدث ككل الحوادث ، أستطيع أن أقول بأن هذا الحدث الجلل استطاع أن يدخل تاريخ أمتنا ليصبح من القضايا الملحة التي يجب أن يلاحق بها النظام السوري ، ولسوف لن تنتهي بالتقادم ، كما أنها سوف لن تمحى من ذاكرة شعبنا لكونها جريمة غير عادية، ولأنها نفذت بحق شخصية غير عادية.



إن اختطاف الشيخ واخفائه وإظهاره فيما بعد مقتولاً من خلال مسرحية هزيلة هو ما شد من عزيمة شعبنا وأكسبته المزيد من الإصرار كي يبقى يطالب بالكشف عن قتلته وتقديمهم إلى العدالة حتى ينالوا جزاءهم العادل ، ولسوف تبقى السلطات السورية المتهمة الأولى في هذه القضية ، لكونه يتحكم في كل كبيرة وصغيرة ، إنهم يتحكمون في كامل الوطن وما عليه ، فكل المؤشرات تجعلنا أن نبقي على اتهامنا لهم وهم الذين يضطهدوننا في كل شيء ودون أية مبالاة بأي شيء ، وهم الذين قتلوا شبابنا على أرض الملعب البلدي بقامشلوا ، وهم من أطلقوا نيرانهم على شبابنا الذين كانوا يحتفلون بعيد نوروز مساء 20 آذار السنة الماضية ليقتلوا ثلاثة منهم ، وهم من يقتلون أبناءنا لدى تأديتهم لخدمة العلم ، وهم الذين يبقون على معتقلينا في سجونهم…



سيبقى شيخنا حياً في ذاكرتي ، وذاكرة أبناء شعبنا ، ولن يرتاح لأحدنا البال إلا بعد أن يُنال من المجرمين في هذه القضية ، وأستطيع أن أقول في ذلك بأنه يتعين علينا جميعاً بأن لا نوفر فرصة إلا ونستغلها من أجل النيل من أولئك المجرمين على طريق تحقيق العدالة والمساواة في ربوع بلادنا.



صبري : عندما اغتيل الشيخ الشهيد قبل أربعة أعوام بث التلفزيون الرسمي السوري مسرحيته المعروف عن مقتل الشهيد ، وقد كان لك رأي وتحليل واضح لتلك المسرحية تحت عنوان (قصة اختطاف وقتل الشيخ محمد معشوق الخزنوي وضرورة إجراء تحقيق دولي في هذه القضية... كما يراها..محمد سعيد آلوجي ) فندت فيها ادعاء النظام وافتراءاته، اليوم وبعد أربعة أعوام وطي ملف الاغتيال دون تحقيق أو محاكمة أو أية إجراء قانوني أو إنساني من قبل السلطة ماذا أضافت إلى نظرتكم حينها.



الأستاذ آلوجي: في الحقيقة بقيت نظرتي في السلطات السورية كما كانت في السابق ، وما زلت أحملها كامل المسؤولة عن اختطافه واختفائه وقتله ، حتى وإن فتحت لذلك تحقيقات في كل الاتجاهات في هذه القضية ، وحتى وإن شرعت من أجلها كل أبواب محاكمها لأنها بعيدة كل البعد عن المصداقية ، فهي الحكم والحاكم ، وستبقى هذه السلطات موضع الاتهام في هذه القضية وباقي القضايا العالقة من جرائم قتل أبناء شعبنا إلى أن تقوم تحقيقات دولية مستقلة في هذه القضية وغيرها وإدانة القتلة..




صبري : تمر الذكرى الرابعة والقتلة لازالوا أحراراً ، كما أن ملف القضية لدى السلطات السورية مركون على الرف تحت بند ممنوع اللمس ، كما شهداء الانتفاضة مرت على استشهادهم خمس سنوات ، برأيك لِمَ لَم يستطع الكورد في سورية تدويل قضاياهم وطلب تحقيقات دولية تحميهم وتقديم قتلتهم إلى المحاكمة ، أين يكمن العيب ، فينا نحن الكورد أم في المجتمع الدولي ، ولماذا.



الأستاذ آلوجي: لا يمكننا اعتبار من يرتكب جرائم بحق الإنسانية أحراراً ، فما هم إلا أناساً خارجين على القوانين ، وهو ما ينطبق على النظام السوري في كل انتهاكاته لحقوق الإنسان وقمعه للمواطنين السوريين على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم ، وإن كان لشعبنا الكوردي النصيب الأكبر من مظالمه، وهنا أستطيع أن أؤكد بأن بد العدالة لا بد أن يطولهم في كل ما ارتكبوه ويرتكبونه من مجازر بحق الأفراد أم الجماعات من الشعوب السورية وطوائفها ومذاهبها.
أما بخصوص عدم تمكن الكورد من تدويل قضيتهم أو عدم قدرتهم على استقطاب لجان تحقيق دولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحقهم ، أرى بأن هذه المسألة معقدة، وتتداخل فيها عوامل ومصالح كثيرة ، لكنني أقول بأنه يتعين على الكورد وحركتهم السياسية مسؤولية الدفاع عن حقوقهم بالتوازي مع باقي المواطنين السوريين حيث الكل يتعرض إلى القمع والظلم من السلطات وإن كان قمع الكورد مضاعف، وهو ما يدعوهم إلى مضاعفة دفاعاتهم دون هوادة حتى يتمكنوا من نيل حقوقهم ، ولن تُدَوَل قضيتنا إلا إذا تأثرت المصالح الدولية بشكل سلبي وقطعي ضمن صراعنا السلمي والفعال مع السلطات والذي يجب أن يحتدم ، فالحقوق لا توهب ولا تستجدى، وإنما تؤخذ أخذاً.



صبري : كان الحوار الكوردي الكوردي وبناء الثقة بين أطياف الحركة الكوردية والمجتمع الكوردي هاجس الشيخ الشهيد وسعى في سبيل ذلك الكثير ، واليوم تتأزم القضية الكوردية في سورية ، وتتسع الفجوة بين أطياف الحركة الكوردية ، برأيك ما هو المطلوب فعله / من السياسين / من المثقفين / من رجال الدين / من وجوه المجتمع ، لرأب الصدع تحقيقا لحلم الشيخ الشهيد.



الأستاذ آلوجي : لا شك بأن الحوار بين أطراف الحركة الكردية من أجل التقريب فيما بينهم وتوحيد كلمتهم في المسائل المهمة لشيء عظيم ، وهو ما يحتاج قبل كل شيء إلى بناء الثقة فيما بينهم ، وأعتقد بأن الشيخ الشهيد رحمه الله كان قد قطع شوطاً لا بأس به في ذلك ، لكنني أستطيع أن أقول بأن الطريق إلى ذلك غير معبد بالرغم من عدم وجود خلافات إديولوجية وجوهرية فيما بينهم ، إنما الخلافات تكمن فيما بينهم على كيفية التعامل مع السلطات الحاكمة وطرق النضال السلمي ضد المشاريع العنصرية للسلطات السورية المطبقة بحقنا إلى حد كبير ، وتتراوح تلك الخلافات ما بين الرضوخ إلى سياسة الأمر الواقع المفروضة من قبل السلطات نفسها على حركتنا الكردية للاكتفاء بإصدار بيانات لم تعد ورقية بحد ذاتها ، خلافاً لما يثبت منها في نشراتهم الرسمية ، بحيث أصبحت إنترنيتية بحتة ويتجنبون فيها حتى إثارة السلطات نفسها ، وبالمقابل هناك بعض من أحزابنا ممن يضغطون من أجل تصعيد النضال واتباع الأساليب السلمية المتاحة عملياً ، كما أنه لم يعد بخاف على أحد تدخل السلطات لصالح صيانة مصالحها والضغط على تلك التي ترغب في تصعيد نضالها لترجيح كفة الراغبين في مهادنتها على الراغبين في تصعيد مقاومتهم السلمية عملياً ، وهنا يأتي دور مثقفينا ورجال الدين والأدباء والوجهاء الاجتماعيين وكل أطياف المجتمع المدني أن يساعدوا الطرف الثاني ضد من يسايرون مظالم السلطات والذين أصبحوا كموالين لا كمعارضين ، وقد سبق لي أن أوضحت رأي في هذا الشيء مرات عديدة ، وأعتقد بأن شيخنا الشهيد عمل في هذا الاتجاه كثيراً وكان لذلك أثر كبير للتخلص منه ، وهو ما قاله حميد درويش صراحة في حديث مسجل له وهو ما يثبت نظرتي هذه وإن كان ما أفاد به حميد يدينه ويدين نهجه المساوم ، { فالحقوق لا توهب وإنما تؤخذ أخذاً } كما سبق أن عبر عن ذلك شيخنا الشهيد..



صبري : أربع سنوات على حياة الشيخ الشهيد ، وخمس سنوات على حياة أبطال انتفاضة الثاني عشر من آذار ، ما الذي يمكن فعله لهؤلاء الشهداء ، بتذكرهم كل سنة في ندوة ، أم بتدويل القضية الكوردية ، أم باتفاق كوردي ، أم بمهرجان غنائي ، أم بشيء آخر.



الأستاذ آلوجي : أعتقد بأن الشهادة هي كل ما يمكن أن يقدمه المرء في سبيل تحقيق أهداف سامية ، ومما لا شك فيه فإن الشيخ الخزنوي قد أستشهد من أجل الدفاع عن حقوقنا ورفعة شأننا ورد ما ألحق بنا من مظالم وهو ما لا شك فيه ، ولا ننسى ما قدمه أبطال مقاومة آذارنا الذين استشهدوا في انتفاضتنا المجيدة عام 2004 وما بعدها ، لذلك يتعين علينا جميعاً أن نتبع كل الوسائل المشروعة من أجل تقديم المجرمين إلى العدالة لينالوا جزاءهم على ما تسببوا به من حرمان شهدائنا من حقهم في مزاولة حياتهم كما تقتضيه كل القوانين الدولية والشرائع السماوية ، وأن نعمل بكل ما نستطيع إليه سبيلا وبالوسائل المشروعة من أجل تحقيق ما قدم شهداؤنا حياتهم من أجله ، وأن نتذكرهم بكل السبل وفي كل مناسباتنا الوطنية والقومية.
لكنني وبكل الأسف أستطيع أن أقول بأننا لم نوفيهم حتى الآن حقهم بأقل ما يمكن.. 



صبري : كيف ترى مستقبل القضية الكوردية في سورية .



الأستاذ آلوجي : أستطيع أن أقول بأن النصر هو دائماً حليف الشعوب ، ولا بد من أن ننتصر على أعدائنا مهما طال الزمن، ولا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي سوف ننال فيه حقوقنا ، فها هم إخواننا في إقليم كردستان قد استعادوا الكثير من حقوقهم وهم سائرون نحو تحقيق المزيد لهم ولإخوانهم من الشعوب العراقية في العراق الفدرالي ، فلن يضيع حق وراءه مطالب. 
علينا أن نوفي النضال شروطه ونقدم التضحيات اللازمة من أجل استعادة ما سلب منا ، ولن يتم ذلك إلا برفضنا الرضوخ لسياسة الأمر الواقع وكسر شوكة المساومين ومساعدة كل من يعمل على تصعيد النضال بكل حكمة وروية ضد سلطات القمع السورية الذي لا بد أن يلتحق بتوأمه إلى الجحيم وعما قريب بإذن الله.



صبري : قبل الختام محور آخرى يرغب الأستاذ إضافته . 



الأستاذ آلوجي : أريد هنا أن أشكركم جزيل الشكر على هذا اللقاء القيم الذي أتحتم لي الفرصة فيه ، فرصة للتعبير عن مشاعري تجاه شهيدنا الخالد محمد معشوق الخزنوي والذي علينا أن نبر بشهادته وشهادة كل من ضحى بروحه الغالية في سبيل قضيتنا العادلة ، كما وأريد أن استغل هذا اللقاء القيم لأناشد أهلنا في الداخل والخارج بأن يساندوا أحزابهم التي تعمل من أجلهم وبشكل عملي ضد سلطات القمع السورية التي لم تترك لهم ما يتمتعون به من حقوق قومية أو وطنية كما يجب ، كما وأناشدهم بأن يدعموا كل بناء يتوحد ضمنه نضالهم وكلمتهم كما تقتضيه شروط النضال الحقيقية، وأن يبتعدوا عن أولئك المساومون على قضايانا تحت شعارات مذلة بحجج واهية حيث أصبحوا كشركاء غير ربحيين للسلطات بين المعارضة الوطنية الشريفة.



صبري : في نهاية اللقاء نشكر الاستاذ محمد سعيد آلوجي على هذا اللقاء 



الاستاذ آلوجي : شكراً جزيلاً لكم...




في ذكرى شيخ الشهداء حوار مع الكاتب والأكاديمي الدكتور أحمد أبو مطر

حاوره : هدى صبري
محررة بموقع ( 
www.khaznawi.de 
تقدمة الضيف :
الأخوة القراء : يسعدنا في هذه الحلقة أن نستضيف الكاتب والأكاديمي الفلسطيني الدكتور أحمد أبو مطر .
ـ الدكتور أبو مطر من مواليد مدينة ( بئر السبع ) – فلسطين المحتلة – عام 1944 ،  أربعة سنوات قبل ضياع فلسطين الذي أطلق عليه العرب اسم (نكبة) من باب تخفيف وقع الحدث حسب تعبير الدكتور الضيف ، حاصل على درجة الدكتوراة في الأدب و النقد بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ، من جامعة الإسكندرية بمصر ، وعمل مدرسا في جامعة الفاتح في ليبيا ، و جامعة البصرة في العراق ، له العديد من الكتب المطبوعة باللغة العربية والكثير الكثير من المقالات والدراسات المتنوعة ، سكن دمشق و أسس فيها  (دار صبرا للدراسات والنشر)، إلى العام 1990، حيث طرد منها بسبب كتاباته المؤيدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، كعادة النظام السوري في التعامل مع من يختلفون معها  ،من أبرز من ساندوا القضية الكوردية وله إسهامات كثيرة في ذلك .
ـ التقى بالشيخ الشهيد الدكتور معشوق الخزنوي وكتب عنه.
ـ وبمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي كان لنا معه هذا اللقاء  .
صبري : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بك دكتور أحمد أبو مطر ضيفاً عزيزاً وغالياً على أحبابك وأصدقائك الكورد .
الدكتور ابو مطر : مرحبا بكم جميعاً ، وأشكركم على هذه الفرصة الثمينة كي ألتقي مع أصدقائي الكرد كشعب مضطهد مثل شعبي الفلسطيني ، لكن الاضطهاد الواقع على الشعب الكردي في سوريا تحديداً وقعه مضاعف حسب قول الشاعر العربي:
وظلم ذوي القربى أشد مرارة       على النفس من وقع الحسام المهند
لذلك أقول دوماً مقاربة مع الصديق الكردي أشعر أنني كردي وأنه فلسطيني ، خاصة لا يمكن أن أنسى الشباب الكورد الذين قاتلوا واستشهدوا معنا في المنظمات الفلسطينية دفاعا عن القضية الفلسطينية وشعبها.
صبري : دكتور احمد كما تعلم تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لاختطاف واغتيال شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي على أيدي المخابرات السورية ، ماذا تقول وأنت تتذكر هذه المناسبة الحزينة ؟.
الدكتور ابو مطر : هذه ليست فقط ذكرى حزينة ولكنها مأساة بمعنى الكلمة ، لأن النظام القمعي الاستبدادي المجرم في سورية استهدف علماً من أعلام التنوير الكردي والعربي ، فقد كان الشهيد الشيخ الدكتور معشوق الخزنوي من الشخصيات المبهرة للغاية بفكرها الإسلامي الحضاري الذي يعرف كيف يتماهى الإسلام العظيم مع روح العصر ، ومن خلال ذلك كان داعية للحرية والعدل والمساواة التي هي روح الدين الإسلامي ، لهذا عرف النظام السوري المجرم أن هذا الفكر التنويري الداعي للحرية والمساواة ورفع الظلم أخطر عليه ممن يحمل السلاح ، من يحمل السلاح إذا أطلق رصاصة فهي تصيب شخصا واحدا ، ولكن الفكرة التي كان يطلقها الشهيد الخزنوي كانت تختزن في عقول وضمائر ألاف من الكرد والعرب ، وعند التفكير في هذه الفكرة يدركون مدى استبداد النظام وفساده ، فيتحركون بأي شكل يستطيعون لردع هذا النظام ، لذلك كان اغتيال الشيخ الشهيد بشكل سافر لا يدع أدنى شك أن مخابرات النظام المجرم هي التي اغتالته لدرء خطر أفكاره التنويرية .
صبري : حادثة اغتيال الشيخ الشهيد جاءت من خلال اختطافه في العاشر من آيار 2005 إلى اغتياله في الأول من حزيران 2005، وهذه أول حادثة يلجأ فيها النظام السوري إلى تصفية خصومه ومعارضيه بالاختطاف ، برأيك وأنت الخبير بأحوال الأمن السوري ونظامه حيث ذقت المرارة من كأسهم لِمَ لجأ النظام السوري إلى الاختطاف ومن ثم الاغتيال ؟ . 
الدكتور ابو مطر : يقولون في علم الجريمة لا توجد جريمة كاملة السرية ، فمهما كان القاتل ذكياً في إعداد سيناريو جريمته ، فلا بد أن تبقى بعض الثغرات التي تشير لهوية المجرم ، لقد وضع مجرموا النظام السوري سيناريو تصفية الشهيد الشيخ بهذا الإسلوب الغبي كي يوهموا الجماهير الكردية أن عملية الخطف والقتل لها طابع شخصي وعشائري ، فقد تم استدعاءه هاتفياً من مكتب أحد المسؤولين في دمشق  وخرج للقاء يوم العاشر من مايو ، ثم أخفوه عشرين يوماً ليلقوا جثته في مدينة أخرى بعيداً عن دمشق ، العشرون يوماً هذه كانت كافية كي تطرح المخيلة الشعبية العديد من التكهنات حول اختفاء الشيخ ، وبالتالي تضيع الحقيقة عند اكتشاف جثته بعد عشرين يوما ، أي أن المجرمين القتلة كانوا يعتقدون أنهم قادرين على إخفاء مسؤوليتهم عن هذه الجريمة البشعة ، تماماً كما قتلوا وزير داخليتهم غازي كنعان وأعلنوا أنه انتحر ، وكما قتلوا العميد محمد سليمان في اللاذقية عبر قنصه من البحر وهو على شاطىء البحر ، والملاحظ أن هؤلاء الذين قتلهم النظام لهم علاقة مباشرة باغتيال الشهيد رفيق الحريري. كذلك أراد النظام المجرم من خلال هذا السيناريو الذي اعتمدوه لقتل الشيخ الشهيد إخافة الشخصيات المعارضة الأخرى على أساس أن مجرمي النظام لديهم قدرات واسعة في القتل .
صبري : الشهيد الخزنوي عالم إسلامي كانت له آراء تنويرية جريئة ودعوته أيضا كانت واضحة إلى تجديد الخطاب الديني ، كيف تنظر إلى آراء الشيخ الدينية ؟
الدكتور ابو مطر : كما أشرت سابقاً أهمية أفكار الشيخ الشهيد الدكتور معشوق الخزنوي تكمن في قدرته على تطوير آلية التفكير الإسلامي لتناسب العصر دون الإخلال بمضمون وأصول هذا الفكر ، فهو كان شجاعاً وعاقلاً في طرحه لضرورة سيادة التفكير الإسلامي العقلاني البعيد عن العنف ، وفي الوقت ذاته لم يكن يكترث بإقامة أية علاقة مع مؤسسات السلطة القمعية على حساب دوره التنويري النضالي ، لأنه كان يعي ( أنّ أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر ) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهل ينحاز بوقاً للنظام كغيره من الشيوخ الوصوليين ، أم يحترم ويطبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم ؟، ويكفي أن أتذكر بعض الأفكار التي سمعتها منه مباشرة في محاضرته في مسجد آزادي في أوسلو ، ليتأكد القارىء أن كل فكرة منها تحتاج لبحث ودراسة موسعة ، لكن أسلوبه الشيق البسيط يدخل العقول بسرعة أيا كان مستوى ثقافة المستمع ، من هنا كانت خطورته على النظام السوري القاتل ، لأن سلاحه الكلمة الصادقة التي لا يخشى صاحبها لومة لائم في قول كلمة الحق ، من هذه الأفكار :
1 . أنا بعيد عن خط وتجمع العائلة لأنني لا أبحث عن المريدين والمصفقين ، أنا أبحث عن كيفية إيصال كلمة الحق للجماهير المغلوبة المضطهدة ومنها شعبي الكردي.
2 . للأسف الشديد أغلب ممارسات العرب تصب في استثمار الإسلام لمصالحهم الخاصة.
3 . كل شعب من الشعوب من حقه أن يمارس العبادات بلغته الخاصة ، لكن اللوبي العربي في الإسلام يرفض ذلك رغم أنه منطقي وعقلاني ويخدم رسالة الإسلام وانتشاره.
4 . الإسلام ليس نظاما سياسيا .
5 . من أهم أسس رسالتي إعطاء أهمية لواقع الإنسان الكردي لأنني كردي ، وإن سألوني ماذا أسمي أحداث 12 آذار أقول إنها انتفاضة بمعنى الكلمة .
هذه نماذج فقط من أطروحات الشيخ الشهيد التنويرية العقلانية التي تخاطب العقل فقط ، وترفض الإرهاب ومصادرة الآخر باسم الإسلام خاصة من الشيوخ والملالي الذين جعلوا من أنفسهم وكلاء لله تعالى في الأرض .
صبري : يقول الشيخ الشهيد في كراسة كتبها ، ( إنني أشعر بمرارة لا لأنني لم أكن أتوقع المعاناة التي مررت بها ولاقيتها من أهلي وكل الذين يستفيدون من ثمار التيار التقليدي لكن شعوري بالمرارة ناتج من أنني لم أكن أتوقع ما لاقيته من علية القوم والذين يدعون التقدم والتطور ويدعون أنهم في خندق الإصلاح والتغيير إلى الأفضل في حياة الأفراد والمجتمعات , وإنني حين أعبر عن مرارتي لا أشكو فالشكوى مستمرة منذ عام1989 لم تعط أية ثمار ذلك لأن قضاياي كانت دائما وخاصة تلك التي تتعلق باستنهاض الناس وتوعيتهم وإخراجهم من عبادة العبيد إلى عبادة رب العبيد أقول : إن هذه الشكاوى كانت في الغالب تتلاشى في مهب الريح ضحية مساومات وحسابات لا دخل لأمن البلد ولا لمصلحة العباد فيها ) ، وهذه المعاناة نراها ملازمة لدعاة التجديد في كل زمن وأنت أحدهم ، برأيك لماذا .
الدكتور ابو مطر : هذا طبيعي لأن أغلب دعاة التجديد والتنوير العقلاني لاقوا الصعوبات والمضايقات في مسيرتهم ، وكانت هذه المضايقات كما قال الشيخ الشهيد من علية القوم وأعتقد أنه كان يقصد ليس رؤوس النظام المجرم فقط ، ولكن الشيوخ من علية القوم الذين وضعوا مشيختهم الزائفة المتملقة في خدمة النظام ، وهذه إحدى أخطر مشاكل ومعوقات التجديد الديني المطلوب لمواكبة العصر ، وما يريده الشيخ الشهيد أن يعبد الناس رب العبيد أي الله تعالى تبدو مأساويتها اليوم عندما نجد غالبية الشيوخ والملالي في كل قطر مجرد أبواق للنظام على حساب مبادىء الإسلام الأساسية ، خاصة تفصيل الفتاوي على مقاس العبيد المتسلطين على رقاب شعوبهم ، وكمثال فقط مفتي النظام السوري قبل انعقاد القمة العربية الأخيرة في دمشق ، أصدر فتوى تقول أن حضور الرؤساء والملوك العرب شخصيا للقمة فرض عين !! من يتخيل هذه المسخرة ؟
صبري : تمر الذكرى الرابعة والقتلة لازالوا أحراراً ، كما أن ملف القضية لدى السلطات السورية مركون على الرف تحت بند ممنوع اللمس ، كما أن لجنة المحامين المشكلة من قبل عائلة الشهيد لم تتمكن حتى الآن من الإطلاع على الملف ، كيف يمكن للأحرار الحصول على حقوقهم  ومقاضاة ظالميهم  .
الدكتور ابو مطر : لن يسمح لأحد أن يفتح ملف اغتيال الشيخ الشهيد لأن القتلة هم من عصابات النظام ، والمجرم القاتل لن يسمح بالبحث في ملفات جرائمه ، الطريق الوحيد هو مواصلة النضال تحديداً السلمي ضد هذا النظام القمعي ، وهناك حتمية تاريخية كلما زاد النظام الديكتاتوري من جرائمه اقتربت نهايته .
صبري : كلمة أخيرة توجهها إلى أصدقائك الكورد .
الدكتور ابو مطر : كلمتي الأخيرة لأصدقائي الكورد هي ضرورة التنسيق في كل المجالات لتصعيد النضال والاحتجاجات السلمية ضد النظام ، لأن هناك شرذمة في صفوف الحركة الوطنية الكردية لا يستفيد منها إلا النظام القاتل ، وليس شرذمة فقط بل هناك تيارات رغم محدوديتها تعمل لخدمة النظام ونفي جرائمه بحق الكورد ، وهذه الحالة شهدتها أغلب الحركات الوطنية بما فيها الفلسطينية ...وفي النهاية لا بد أن تنتصر إرادة الشعب الكردي رغم أنف العنصريين العرب والفرس والترك.
في نهاية اللقاء الشكر الجزيل لكم الدكتور أحمد أبو مطر ، متمنين للفلسطينيين والكورد الاستقلال والحرية والعيش الرغيد وأن يعم السلام العالم أجمعه 

محمد مأمون الحمصي: الشيخ الشهيد الخزنوي مفكر إسلامي يلتزم الديمقراطية كخيار استراتيجي

دمشق- حوار : هدى صبري
1
محمد مأمون بن عادل الحمصي من مواليد دمشق عام 1956 من عائلة دمشقية أصيلة، عُرفت بتحسسها لمشكلات البلد وهموم أبنائه وناضلت من أجل الجلاء وتحقيق طموحات البلد.
انتخب الاستاذ الحمصي عام 1990 في مجلس الشعب واعتقل في قضية سياسية رغم الحصانة البرلمانية التي رُفعت بقرار منفرد من رئيس مجلس الشعب، دون عرض القضية على هيئة المجلس الكاملة فأصبح أول نائب سوري يُدان أمام المحكمة في قضية سياسية، وهو عضو في مجلس الشعب، وأول نائب يفقد عضوية مجلس الشعب لأسباب سياسية، وأول نائب يُجرد من حقوقه المدنية.

بعد خروجه من المعتقل استقر في بيروت إلا أن أزلام البعث لم تتركه في مأمن يل استمرت في مطاردته او فعل أي مكروه به مع تسلحه بصدق الرسالة التي يحملها.

وبمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي كان لنا معه هذا اللقاء.

صبري: الأستاذ مأمون نرحب بك في مستهل هذا اللقاء ونرجو الله العلي القدير أن تكون في مأمن من أيدي البعث الأسدي بعد المضايقات والمطاردات المتكررة لكم خلال رحلتك بعد خروجك من السجن الصغير فالسجن الكبير فالمهجر القسري.


الحمصي: بداية أتقدم لكم بالشكر والامتنان لموقعكم الكريم على هذه الفرصة مع ألم الذكرى وبشاعتها.

في الحقيقة إن الظروف التي تعرضت لها هي نتيجة حتمية للطريق الذي اخترته وهو مواجهة الاستبداد والقهر والظلم المتوحش الذي لاحدود له قمعا وإجراماً وإبادة، وهذا الواقع ليس محصور بالأشخاص أو المجموعات بل سلوك يشمل كل أبناء الوطن أطفالاً وشيوخا ونساء ورجالاً وبأساليب وطرق مختلفة رعبا وتجويعا وتخويفا وتخوينا يشمل كل أبناء الوطن بمختلف أعراقهم وأديانهم ومعتقداتهم، ضمن سوريا وخارجها ولكن الذي يختلف هو إننا استطعنا بفضل الله ودعم شعبنا أن تكون صرختنا خارج ظلام وفبركة هذا النظام.

صبري: أستاذ مأمون تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لاختطاف واغتيال شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي على أيدي المخابرات السورية، ماذا تقول وأنت تتذكر هذه المناسبة الحزينة في تاريخ شعبنا؟

الحمصي: في الحقيقة إنها ذكرى أليمة لفقدان أمل كان ناصراً للحق وداعماً للمستضعفين والضعفاء، فأرعب وحوش الظلام ولم يجدوا طريقاً إليه عبر عطاءهم السخية أو رعبهم المتوحش الذي قل من يصمد في وجهه فأربكهم بصموده وبوفاء أهله وأحبته، فتحول إلى  مشروع ثورة متجددة لن تتوقف إلا بسوق الديكتاتورية ومحاسبتها على دم الشهيد وكافة الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري  بكرده وعربه وكافة أعراقهم ودياناتهم وإنتماءاتهم .

كان رحمه الله أملاً ومثلاً لنا، وكان ذا شخصية متنورة معتدلة لم يكن متعصباً أو متحيزا إلا للحق، كان محبا للجميع مؤمناً بالشراكة بين أبناء الوطن الواحد وكان قدوته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ملتزماً بحديثه {خيركم خيركم لأهله} فكان همه الأول هو معانات وعذابات الإخوة الأكراد فكان خير سفير لهم وخير قائد شجاع يجمع الجميع حوله، وكان وفائه محط إعجاب واحترام  الجميع.

صبري: الشيخ الشهيد زار عائلتك عندما كنت معتقلا في اقبية البعث الظالمة، كيف تنظر إلى زيارة الشيخ الشهيد وكيف تتذكرها. 

الحمصي: في الحقيقة إنني لم يحالفني الحظ بلقاء فضيلة الشيخ الشهيد الدكتور معشوق الخزنوي رحمه الله، ولكنني تكلمت معه هاتفياً عدة مرات وكنت بشوق للقاء هذا الرجل الكبير، وهنا أذكر حين كنت في السجن توفي شقيقي الشاب أيمن فكان فضيلة الشيخ رحمهما الله أول المعزين وجلس بين الأهل والأصحاب لوقت طويل، وترك الأثر الطيب والمواساة النبيلة عندهم، وأغاظ خفافيش الظلام.

صبري: تمر الذكرى الرابعة والقتلة لازالوا أحرارا، كما أن ملف القضية لدى السلطات السورية مركون على الرف تحت بند ممنوع اللمس، كما أن لجنة المحامين المشكلة من قبل عائلة الشهيد لم تتمكن حتى الآن من الإطلاع على الملف، كيف يمكن للأحرار الحصول على حقوقهم، ومقاضاة ظالميهم.

الحمصي: الحقيقة في مثل هذه الجرائم لا يمكن للقتلة إقامة العدالة أو أن يحاسبوا أنفسهم، والجريمة البشعة والتي راح ضحيتها  فضيلة الشيخ ليست جريمة عادية، فقرارها آت من رأس  النظام وهو يتحمل كامل المسؤولية، ولقد أصدرتُ بياناً واضحاً وصريحاً من داخل المعتقل بأن العائلة الحاكمة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة وجميع الجرائم ارتكبها النظام بنفس الفترة مثل جريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسمير القصير وطالبت العالم بمعاقبة هذا النظام، لأن صمت العالم سيجلب الويلات للجميع، وأمضيت فترة  سبعة أشهر تحت  العقوبة مع التفنن فيها من قبل الجلاد المجرم العميد سمير الشيخ وكان يبذل الجهد الكبير من أجل تصفيتي لكن بفضل الله نجوت منه وعلى كل الأحوال  لا بد من أن يأتي يوم الحساب ويوم العدالة فنحن إيماننا ورهاننا على عدالة السماء ثم قوة الشعب فنحن أصحاب حق فطريقنا الحرية وإعادة الاستقلال مهما كانت التضحية ومهما كان الثمن وطريقهم إلى الجحيم الذي سبقهم إليه الكثيرون من السفاحين عبر التاريخ، فالأيدي الملطخة بالدماء سيأتي يوم لا حاميه لها، والثروات الطائلة التي سرقت من عرق الشعب ولقمة عيشها لن يتنعم بها لصوص الوطن.

وهنا أتقدم بالتحية والشكر إلى السادة المحامين الذين توكلوا طوعا لمواجهة هذه الجريمة، ولما بذلوه من جهد فضحت المجرمين وإخراجهم المزور المفضوح وإن هذه الجهود والوثائق والبراهين هي الأساس لمحاكمة القتلة ويجب على الجميع الاحتفاظ بكل الوثائق والبراهين على جرائم النظام إلى الوقت المناسب مستفيدين من تجربة انهيار نظام البعث الصدامي ومحاسبته.

صبري: بماذا تفسر عدم اهتمام معظم أطياف المعارضة السورية العربية بقضية الدكتور الخزنوي، مع العلم أن الشهيد كان يتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع.


الحمصي: أولا قضية الشهيد الخزنوي هزت الشعب السوري عربا وأكرادا وباقي فئات الشعب بأكمله داخلياً وخارجياً، لأن الشهيد حظي باحترام ومحبة الكثير من السوريين لأنه يمثل الاعتدال المحافظ ومواجهة الظلم والطغيان، ومد يده للجميع للتعاون والاعتراف بالشراكة بين أبناء الوطن الواحد وعلى سبيل المثال محبة واحترام دمشق لفضيلته كان مميزا وواضحا كباقي  المحافظات السورية فأينما حل كان النجم الساطع والمؤمن المتنور فعشقه الجميع وبكى لفراقه.

أما بالنسبة للمعارضة العربية أتمنى أن تكون معارضة موحدة بيننا جميعا في الخارج والداخل فلا أتصور أن هناك تقصير محصور بقضية فضيلة الشيخ الشهيد ولكن هناك مشاكل وضعف وفرقة مؤلمة ومن أهم أسبابها الجهود الكبيرة والإمكانيات التي يبذلها النظام من أجل إضعافها وتشتيتها وعدم مد يد العون لها عربيا ودوليا.

ناهيك عن العجز عن التطور والاستفادة من أخطاء الماضي الأليم والتي أراحت النظام وأصبح  يشعر أنه هو صاحب الحق بإعطاء الشهادة بالوطنية ووضع الخطوط  الحمر بما يتلاءم  مع قرصنته واغتصابه للوطن واستعباده للشعب. وهنا نؤكد مع اختلافنا وخلافنا مع الآخرين وما يتحملون من مسؤوليات ضمن هذا الواقع وأسلوب مواجهته، فهذا لا يمنعنا من تسجيل الاحترام والتقدير للإخوة والأصدقاء الذين قدموا أكبر التضحيات من أجل وطنهم وشعبهم، وأبعدوا قصرا عن وطنهم وذاقوا مرارة وعذاب الفرقة والبعد وضيق الحياة.

وهنا يجب أن ننتبه جيدا أن النظام بذل الجهود الكبيرة لشق الصف السوري بين مختلف أطيافه وأعراقه ودياناته ومذاهبه واستخدم الطائفية السياسية البغيضة بشكل خبيث مبرمج فسطى على حقوق وأملاك الأكراد مستخدما العرب سلاحا لهذا السطو وجعل التقارب بينهم خطا أحمر، وهنا يجب أن نتمعن كثيرا بفكر ورؤية فضيلة الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي وكثير من القادة الأكراد والعرب لهذا البرنامج الذي لا يفيد إلا  الديكتاتورية  فشعاره فرق تسد.

صبري: دعنا ننظر إلى الشهيد الخزنوي كرجل الدين المعروف .. فكما نعرف أن الشيخ الخزنوي كانت له آراء تنويرية جريئة ودعوته أيضا كانت واضحة إلى تجديد الخطاب الديني. كيف تنظر إلى آراء الشيخ الدينية؟


الحمصي : كان فضيلة الشيخ الشهيد مفكراً إسلاميا يلتزم الديمقراطية كخيار استراتيجي في الصورة الإسلامية المتجددة وكان يدعو إلى العلمنة والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة وتمكين المرأة وحقوق الإنسان. وتداول السلطة واستجاب لنداء الواجب الإنساني وقبل ذلك الديني وهو في النهاية جزء من مصداقيته في رسالته الدينية وترسيخ خطابه الإسلامي وكان مميزاً بصواب رؤيته ومعروفا بأنه يسمي الأشياء بمسمياتها ويضع النقاط على الحروف، وكان سمحاً ضد التعصب الديني والقومي ولم يكن مأثورا لهوى ومفاهيم الآخرين. وقد شكل غيابه للخط والنهج الذي يمثله ضربة مؤلمة في الزمان الصعب رحمه الله.

صبري: إلى متى سنبقى محتفظين بعادة عدم إدراك قيمة عظماءنا إلا بعد رحيلهم وفقدانهم.


الحمصي : الأخت الكريمة أختلف معك في هذه الرؤية فتقصير البعض وتشويه الحقائق والتعتيم عليها لا يعني تجاهل الشهداء والأبطال فإن الذين ثاروا لاستشهاد فضيلة الشيخ  وقدموا أرواحهم  غضباً ووفاءً له هم الصورة الحقيقة لهذا الشعب الوفي والعظيم والذي يستحق أن تقدم كل التضحيات من أجل حريته وعودة حقوقه وكرامته المسلوبة. وسيأتي اليوم الذي يرى الجميع فيه أن الشهيد الشيخ الخزنوي وباقي الشهداء أقوى من أساطيل وقوى المجرمين مهما بلغت وحشيتها وغطرستها وقوتها. وكل ما تعبنا وضاقت بنا الدنيا نظرنا إلى طريقنا فوجدنا نورا يضئ لنا زيته دماء زكية وأرواح طاهرة لن تذهب هدرا.

صبري: كلمة أخيرة توجهها إلى أصدقائك الكرد. 

الحمصي: أيها الأصدقاء والأحبة الأكراد، أيها الصامدون في وجه الظلم والطغيان، يا من أصبحتم في أولويات النظام الديكتاتوري البعثي الأسدي بعد مسلسل جرائمه في كل المحافظات من حماه إلى القامشلي نناشدكم في ذكرى استشهاد شيخنا الجليل معشوق الخزنوي وأقول لكم احذروا الفرقة والتفرق والتعصب فعدونا واحد وخصمنا واحد ومصيرنا واحد ووطننا واحد وحقوقكم مقدسة نتساوى بالحقوق والواجبات  فلا مكان بيننا  لمن يغتصب الحقوق  أو يشعر أنها منة من أحد أو عطاء يستجدى من أحد، تماسكنا وتعاوننا هو الخط الأحمر الذي وضعه النظام وغذاه بالأحقاد والمآسي بشكل مبرمج، إن أهم عوامل الغضب وبشاعة جريمة خطف وقتل فضيلة الشيخ الخزنوي هو كسره لهذه المحرمات  وهذه الحواجز.

ياشركاء الوطن لتتشابك الأيدي والجهود من أجل الحرية ولنرفع أسماء وصور أبطالنا في سجون البعث الأسدي موحدين هاتفين معا لا للمجرمين لا لقتلة الشعوب  نعم للحرية.

وفي الختام أتوجه لأسرة الشهيد معاهدا الله أننا على طريقه ثائرون ولدمه محافظون ولشهادته مقدسون ولأبنائه الكرام مخلصون متعاونون وإنشاء الله وكما وعدت أبناءه فلقبره زائرون منتصرون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ الكردي السوري محمد معشوق الخزنوي... خرج ولم يعد.....



وائل السواح......الحياة
في العاشر من أيار (مايو) الماضي، خرج الشيخ محمد معشوق الخزنوي ولم يعد. ولم يمر بعد الوقت الكافي لكي يتحول الرجل أسطورة، ولكن هذا الحدث في كل المقاييس والمعايير السوري هو حدث استثنائي وفريد. فالمجتمع السوري لم يعرف حالات مماثلة من الاختطاف بغض النظر عن الأسباب، سواء أكانت سياسية أم لأسباب إجرامية، كالفدية مثلاً. ولم يكن أسلوب الخطف معروفاً عند أجهزة الأمن السورية على مر السنوات الماضية.
من هو الشيخ معشوق؟ ولماذا اختطف؟ وماذا سيكون مصيره؟ أسئلة كثيرة تشغل بال محبيه وأصدقائه وهم كثر، ولكنها أيضاً تشغل بال الوسط السياسي والديني والشعبي، بكل أبعاده. ستحاول هذه المقالة الإجابة عن السؤال الأول تاركة فضل الإجابة عن السؤالين الآخرين للتحقيق القضائي النزيه الذي من المفترض أنه يكون بدأ منذ لحظة اختفاء الشيخ الجليل.
لكل امرئ من اسمه نصيب. والشيخ معشوق رجل محبوب فعلاً، يصعب أن تلتقيه وتمر به مرور الكرام، فلا يترك في نفسك أثراً ورغبة في أن تلتقيه ثانية وثالثة.
وهو ظاهرة استثنائية بين رجال الدين السوريين. فهو شيخ يرى أن الدين هو الأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي. وهو كردي يرى أن «العرب والكرد يشكلان معاً وحدة أخوية متكاملة ضمن النسيج السوري ويتحملان معاً واجب الدفاع عن وحدة التراب السوري وحضارته وإنجازاته عبر التاريخ ولهما الحقوق نفسها في المواطنة التي ينبغي أن تتغلب على أية صفة أخرى»، وهو رجل يرى أن النساء شقيقات الرجال. والمرأة مساوية للرجل في الإنسانية والكرامة، وهي مساوية للرجل في الحقوق والالتزامات كافة ولا فارق بينهما في كل المزايا والصلاحيات من جهة والواجبات من جهة أخرى. وهو إنسان يرى أن «الكرامة الإنسانية ثابتة لكل بني آدم بتكريم الله له، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق أو النسب أو اللون أو التابعية، ومن هنا وجب التعارف والتعاون والتكافل بين جميع الجماعات البشرية تعاوناً يقوم على الحق والعدل والمساواة، لأن حقوق الإنسان مكفولة لكل فرد ولكل جماعة كما أقرتها الشريعة الإسلامية واللوائح الدولية لحقوق الإنسان.»
وإنما من هذا البعد الإنساني الأخير، يجد الشيخ نفسه مدافعاً أصيلاً وعنيداً عن قيم الديموقراطية والعلمانية وفصل الدين عن الدولة وحقوق الإنسان وتمكين المرأة وإدانة العنف والإرهاب.
وللبدء بذلك، لا بد كما يقول الشيخ الخزنوي من تحطيم سلطة رجال الدين وإحياء الاجتهاد الإسلامي، و»فتح أبواب الإصلاح والتطوير (...) وفق قاعدة احترام التعدد وحرية الاختيار من الفقه الإسلامي، ونبذ التقليد الأعمى والتعصّب والإقصاء والإلغاء والتكفير». وهو يرى أن رجال الدين، في معظمهم، يشكلون استنساخاً فكرياً، لا بد من مواجهته بدعم حرية الفكر والإبداع، ونبذ ممارسة الإرهاب الفكري سواء قبل المراجع الدينية أو اللوبي الشعبي وما يسمى بـ «العامة» الذين يتحكمون من خلال الجاه أو المال في كثير من القرارات والفتاوى الشرعية.»
وفي لفتة عقلانية بحتة، يدعو الشيخ الخزنوي إلى ما يسميه «فك الاشتباك بين العقل والنص» وذلك بالأخذ في الاعتبار ظروف النص الزمانية والمكانية، «كأسباب النزول وأسباب الورود، وإحياء وسائل العلماء المجتهدين في التعامل مع النص من خلال تخصيص العام وتقييد المطلق وتأويل الظاهر والتوقف في النص وغيرها من الوسائل التي تجعل النص نوراً يقتدي به المهتدون وليس غلاً يحول دون ضياء العقل ونوره.»
ثم ينتقل الشيخ الجليل إلى فكرة في منتهى الأهمية، عندما يطالب بإحياء مقاصد الإسلام الكبرى ومنحها دوراً حقيقياً في التشريع، والتي تزيد على عشرة عناوين: كالتوحيد والعدل والخير والحب والجمال والعفاف والطهارة والحرية والمساواة والشورى وحسن الخلق.
ويدعو الخزنوي أيضاً إلى فتح مجموعة من الحوارات التي تهدف إلى الفهم المتبادل والتعاون والعمل المشترك. ويقسم هذه الحوارات إلى ثلاثة مستويات: حوار إسلامي - إسلامي، حوار بين الأديان وحوار بين الدين والعلمانيين، «وفق قاعدة تعزيز المشترك وتوحيد الجهود في المقاصد الوطنية والإنسانية المشتركة». وفي هذا الصدد يرى الشيخ أن العلمانية تعني في النهاية فصل الدين عن الدولة. وهو مطلب يخدم كلا الطرفين، فابتعاد الدين عن الدولة والعمل السياسي، حماية للدين نفسه، ولمكانته وقيمه ومثله العليا.
وفي سبيل ذلك لا بد من التذكير دائماً أنه «لا إكراه في الدين،» و»ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً». فالتشديد على الأخوة الإنسانية أمر رئيس بالنسبة الى العالم الكريم. وفي سبيل ذلك لا بد من «البحث عن المشترك بين الناس في مختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وبخاصة أبناء الوطن الواحد على أساس القاعدة الذهبية: «الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم
لعياله»، مما ينعكس إيجاباً على علاقة المسلمين بغيرهم، سواءً في البلاد الإسلامية أو بلاد المهجر، ويدفعهم إلى الانسجام والاندماج مع غيرهم والانخراط في مجتمعاتهم وتحمل مسؤولياتهم ودعم الحوار مع الغرب والانفتاح عليه ومد جسور التواصل الفكري والثقافي لردم الهوة ما بين الغرب والمسلمين .
على أن المفصل الرئيس الذي يفصل الشيخ الخزنوي عن معظم رجال الدين السوريين بمن فيهم الرجال الأكثر اعتدالاً وتسامحاً هو موقفه من الديموقراطية والعلمانية. وهو يدعو إلى ما يسميه «تصحيح الفهم الديني عن الديموقراطية» التي حاول أصحاب الأنظمة
الديكتاتورية والمتطفلون عليهم من رجال الدين إفهامه للمسلمين، باعتبار أن الديموقراطية التي تعني حكم الشعب للشعب هي بديل عن حكم الله للخلق. وهذا تعمد واضح في تشويه هذا المصطلح الذي توصلت الشعوب الحية المكافحة إليه بعد صراع طويل مع الطواغيت والديكتاتوريات, بينما القول الحق هو أن نقول: إن حكم الشعب للشعب هو بديل عن حكم الديكتاتور للشعب وليس بديلاً عن حكم الله للخلق، لأن المسألة، في الأساس، تتعلق بين الحاكم والمحكوم وكلاهما من البشر وليست بين البشر والخالق. أما الله «فأينما وجدت مصلحة العباد، فثم شرع الله.»
ولذلك، يرفض الشيخ الخزنوي الإسلام السياسي ويرى أن الإسلام يمتلك منظومة أخلاقية من العدل والمساواة والشورى وإصلاح شؤون الناس، ولكن «هذا لا يعني أن نصل إلى حد الادعاء أن لنا في الإسلام نظاماً سياسياً متكاملاً تجسد في سياسة النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه في قيادة مجتمعاتهم كما يحلو لبعض الإسلاميين أن يدعيه». ويضيف أن الإسلام السياسي يناقض نفسه حين يدعو إلى فكرة الحاكمية لله. ويقتبس من الحديث الشريف قول النبي لأحد قادته: «فإن هم أنزلوك على حكم الله فلا ترضى فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لا ولكن أنزلهم على حكمك».
ويستنتج الخزنوي أن المسلمين ليس عليهم فقط ألا يتحرجوا من «العيش مع أي نظام علماني ديموقراطي يؤمن بفصل الدين عن الدولة,» بل عليهم أن يدعوا هم إليه، لأن «الإسلام دين الله وهو أسمى من أن يكون مطية لطاغية أو شماعة لجرائمه كما حصل خلال التاريخ وإننا اليوم بحاجة ماسة إلى أن نضع الحكام أمام مسؤولياتهم وننأى بالدين عن تصرفاتهم لتتمكن الشعوب من محاسبتهم ومحاكمتهم، فقد ولى عهد الأباطرة الذين كانوا يخدعون شعوبهم بأنهم يحكمون باسم الله.»
ويدافع الخزنوي عن الأفكار الليبرالية في «الرأي والرأي الآخر والتعددية وحق الاختلاف وحرية الرأي وحرية الكلمة وحق التعبير وإعذار المخالف»، التي يعتبرها البعض مصطلحات غريبة وغربية. ولكنه يؤكد أن «المنجز الديموقراطي اليوم مؤسس عبر تاريخ الثقافة الإسلامية، بل إن كثيراً من مصطلحاته ورموزه كانت محل استعمال في الأداء العربي اللغوي». ويضيف أن الرؤية الإسلامية للديموقراطية تعرضت للاغتيال على يد الفقهاء والسلاطين، وانتقل «الموقف السياسي من الاجتهاد إلى مزيد من القمع والقهر، ورسمت الأحكام القاسية الرهيبة تحت اسم مكافحة الزندقة، وتضمنت هذه الأحكام السجن والصلب والسحل والقتل». ثم يورد عدداً كبيراً من
العلماء الذين كانوا يضطهدون لأسباب مختلفة وربما متناقضة في كثير من الأحيان تحت مسمى الحفاظ على الدين وحماية الثوابت. ويقرر أن الأيام «التي حوكم فيها هؤلاء في ظل كهنوت صارم تقوده سياسة مستبدة كانت أياماً سوداء في تاريخ الإسلام، وأرجو أن ندرك اليوم أنها كانت جرائم ينبغي التبرؤ منها أكثر مما هي ضرورات شرعية قضائية لم يكن ثمة بد منها».
ويلوم الخزنوي كثيراً من المسلمين لأنهم باتوا يرون في الإسلام مجرد طقوس وشعائر، متناسين أن الإسلام في الأساس هو رسالة إنسانية تهدف طقوسه وشعائره إلى تنمية روحه الإنسانية وإحيائها تماماً مثلما تهدف إلى تصحيح علاقته بربه. ويهو يفرق بين حقوق الله التي تقوم على المسامحة وحقوق البشر التي تقوم «على المشاححة». وهو يعني أن التساهل في حق الله أهون من التساهل في حق البشر، ولكن أيضاً الحيوان والنبات والبيئة. ومن هنا نفهم مغزى الحديث النبوي عن هلاك المرأة التي عذبت الهرة ونجاة المومس التي سقت الكلب في الصحراء.
ويتنبى الخزنوي موقفاً متقدماً من مسألة تمكين المرأة. وهو يلوم المفكرين وعلماء الدين بالتراجع عن فكر حركة النهضة والتنوير التي تبناها العلماء المتنورون في القرن الماضي. أما هو فيرى في المرأة شقيقة الرجل، بمعنى أنها تتمتع بكل المزايا والصلاحيات، لا فارق بينها وبين الرجال إلا ما جاء نص صحيح ثابت من الكتاب والسنّة قطعي الدلالة بخلاف ذلك (أي بتمييز أحد الجنسين عن الآخر لعلل محددة تتغير فيتغير الحكم بتغيرها)، وذلك فقط في حدود ما أمر به النص الشرعي من غير أقيسة فاسدة، أو خيالات مريضة شاطحة، أو إسقاطات نفسية متشنجة.
فللمرأة، كما يرى الشيخ، الحقوق السياسية كافة في ظل الالتزام بقيم الإسلام وآدابه، كالرجل سواءً بسواء، ولها الحق في ممارسة دورها في خدمة المجتمع، ولها حق التعلم وممارسة الزراعة والتجارة والصناعة والسياسة والرئاسة وكل المهن المشروعة التي لا تناقض طبيعتها الفيزيولوجية، ولها الحق في تنمية أموالها بنفسها وبالطريقة التي تشاء من دون وصاية من أحد عليها.
ويرى الشيخ أن الزي محايد وهو ليس معياراً بكل تأكيد وأن التماس التحرر من خلاله موقف لا يخلو من مغالطة، كما أن التركيز عليه من جانب الإسلاميين وبخاصة قضية حجاب المرأة ليس معياراً للدين والصلاح. ولدحض ذلك يعدد أسماء 824 امرأة من الأعلام في الإسلام اللواتي تتلمذ على أيديهن رجال ونساء. ويتساءل عما اذا كان هؤلاء الرجال يأخذون العلم من أولئك النسوة من وراء الحجاب!! ومن هنا ينطلق الخزنوي ليجزم أن «حال الانحطاط التي طرأت على المرأة بعدئذ وجعلت من خروجها فتنة وصوتها عورة وإقبالها مظهر شيطان» ليست الصورة الإسلامية الصحيحة للمرأة. وبشجاعة استثنائية دافع الشيخ عن حق الحكومة الفرنسية العلمانية في أخذ القرارات التي منعت ارتداء الحجاب في المدارس. وبشجاعة مماثلة أكد في خطبة له أن لا شيء في الإسلام يمنع إمامة المرأة.
ويلخص الشيخ الخزنوي الإنسانية بجملة من المبادئ هي: الكرامة التسامح والفضيلة والعدالة والمعاملة بالمثل والمودة والوفاء بالعهد واحترام العرف الصحيح في نطاق العلاقة بين الشعوب. ومن هذا المنطلق، يحث المسلمين على تجاوز فكرة الصدام والصراع. ويؤكد حاجة الإنسان الى الإنسان وحاجة الغرب الى الشرق والعكس. ويدين مطلقاً فكرة الإرهاب «المتمثلة في التعدي على الحياة الإنسانية بصورة باغية متجاوزة أحكام الله، تروع الآمنين وتعتدي على المدنيين المسالمين، وتجهز على الجرحى وتقتل الأسرى. ونشجب هذه الممارسات ونرى أن وسائل مقاومة الظلم وإقرار العدل لا بد من أن تكون مشروعة. فالخطأ لا يعالج بالخطأ، وندعو الأمة للأخذ بأسباب المنعة والقوة لبناء الذات والمحافظة على الحقوق، ونعي أن التطرف تسبب عبر التاريخ في تدمير بنى شامخة في مدنيات وحضارات كبرى». وهو يرى أنه «لا يمكن إنساناً أنار الله قلبه أن يكون مغالياً متطرفاً. إن هدي هذا الإسلام العظيم يدعونا إلى الانخراط والمشاركة في المجتمع الإنساني المعاصر والإسهام في رقيه وتقدمه، متعاونين مع كل قوى الخير والتعقل ومحبي العدل عند الشعوب كافة.»
ويشدد الخزنوي على القيم الفردية المعاصرة التي تحكم العلاقات بين الفرد والمجتمع، حقوقاً وواجبات، وتحدد مسؤولية الدولة حيال المجتمع، أفراداً ومؤسسات، ويراها «نتاج صراع وحراك اجتماعي طويل احتل فيه الصراع بين الكنيسة والدولة فصولاً عدة، انتهت بتحرير الشعوب الأوروبية من سطوة الفكر الديني الذي تمثله الكنيسة، وصولاً إلى حرية العقل والمعرفة بلا محرمات فكرية موروثة دينية، الأمر الذي أدى إلى ولادة الدولة الأوروبية العلمانية. لذلك، فإن العلمانية صفة تميز غالبية القوانين الوضعية الأوروبية والغربية على اختلاف أشكال التعبير عنها وتفاوت مستوياتها.»
ويرفض الشيخ أن ينظر إلى الثقافة الغربية كمنتج غربي مسيحي صرف مقطوع الجذور عن الثقافات الأخرى، بل يجب النظر إليها بمحتواها الإنساني العميق، وبما هي اليوم ذروة الثقافة الإنسانية المستندة ليس إلى ما سبقها من ثقافات فقط، بل إلى ما يزامنها أيضاً. فقد صبّت في نهرها كنتيجة لعملية المثاقفة عصارة ثقافات العالم ومنتج مثقفيها. كما يرفض إضفاء بعد ديني على الصراع مع «المفهوم المتوحش للعولمة» ويعتبر ذلك شديد الخطر «لأنه يفسح في المجال أمام الأيدي الآثمة التي تسعى إلى الصداع والصراع لتفعل فعلها، وتعيد زرع خرافاتها.»
بيد أن أي تجديد في الخطاب الديني لا ينعكس على الوطن والبلد والشعب بكل أطيافه هو تجديد أبتر. ولذلك كان من أهم انعكاسات رسالة التجديد على هذا المستوى هو، كما يعبر الشيخ، إحياء دور سورية الريادي للعالم وترسيخ صفة المواطنة في أذهان أبناء البلد الواحد ومكافحة العرقية والطائفية والمذهبية وغيرها من النظريات الشوفينية وإعادة الاعتبار الى مفهوم المواطنة وجعل الانتماء الأساس والوحيد هو (مواطن سوري) الذي يحل مشكلة الأقليات الدينية والأقليات القومية ويشد ارتباطهم بوطنهم سورية بصفته وطناً نهائياً لهم ما دامت حقوقهم وخصوصيتهم الثقافية مصانة في وطنهم الذي لا يسعى إلى تذويبهم في غيرهم، بل يعتبرهم مواطنين متساوين مساواة تامة في الحقوق والواجبات مع بقية مواطنيهم
السوريين.
ويطالب الخزنوي، إلى ذلك، بإجراء «مراجعة حقيقية» لقانون الأحوال الشخصية الذي «مر على اكتمال تدوينه قرابة خمسين عاماً، ويمكن القول الآن إن كثيراً من بنوده لم يعد يلبي المصالح العادلة للناس». ويدعو إلى التذكر أن هذا القانون «كلمة الله.»
ومن هذه النقطة ينتقل الخزنوي إلى تأكيد أهمية دعم المجتمع المدني ذي المؤسسات الفاعلة المستقلة ليكون مجتمعاً يسوده السلام الاجتماعي ويقوم على الاحترام المتبادل والعدالة والمساواة والحب والوئام. وذلك لا يكون إلا بنشر روح التكافل الاجتماعي بغية توفير أقصى ما يمكن المجتمع أن يساهم به أو فيه من خدمات علمية وتربوية واجتماعية وصحية وأحياناً ترفيهية لسد حاجات المستفيدين من المركز والوقوف معهم في شدائدهم.»
وينظر الخزنوي نظرة مختلفة إلى جملة من المسائل التي وقف عندها الفقهاء خائفين أو متزمتين، كالتأمين والفائدة المصرفية وغيرهما. وهو يدعم الرأي المنفتح القاضي بعدم حرمة هاتين المسألتين، بل وضرورتهما، باعتبارهما أمرين منفصلين عن الربا والميسر، كما يرى جمهور الفقهاء.
ولئن رفض الخزنوي الانتماء سياسياً لأي طرف، سواء أكان كردياً أم عربياً، معترفاً به أو محظوراً، فإن اهتمامه بقضايا الأكراد يأتي «استجابة لنداء الواجب الإنساني وقبل ذلك الديني وهو في النهاية جزء من صدقيته في رسالته الدينية وترسيخ خطابه الإسلامي.»
تلك باختصار حكاية الشيخ المختطف الذي خرج من مكتبه في العاشر من أيار (مايو)، 2005، ولم يعد. ولا تدعي هذه المقالة خبرة تفتقدها في التحليل الجنائي، ولكن اختفاء الشيخ الجليل لا بد من أن تكون له، في شكل أو في آخر، علاقة بطروحاته التي أثبتناها آنفا، وكلها مأخوذة من كتاباته ومن حوارات خاصة معه. وبانتظار ألا يتحول هذا الرجل المكافح إلى موسى صدر جديد.
......................
كاتب سوري.

اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي اغتيال للفكر والسياسة معاً ...!؟

سلمان بارودو
إن اغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي، المفكر الإسلامي المعتدل والمنفتح على الآخر المختلف معه في الفكر والدين والقومية، كان رجل دين أكاديمي بكل معنى الكلمة، لهو اغتيال للفكر والسياسة معاً.
في هذه الظروف الصعبة والعصيبة التي نمر بها نفتقر إلى أمثال هكذا رجال متنورين في الفكر والممارسة، حيث تسود ثقافة العنف والتعصب وشطب الآخر المختلف من دائرة الوجود.
ولكن حدث اغتيال الشيخ الجليل معشوق الخزنوي، هو حدث فريد واستثنائي من نوعه في سوريا، فالمجتمع السوري لم يعرف هكذا حالات بغض النظر عن الأسباب أكانت هذه الأسباب سياسية أو غير ذلك، ولم يكن أسلوب الخطف والاغتيال معروفاً في المجتمع السوري على مر السنوات السابقة.
وكان الشيخ معشوق الخزنوي يشغل موقع نائب رئيس مؤسسة الدراسات الإسلامية التي يرأسها عضو مجلس الشعب السوري الدكتور محمد حبش، وكان له حضوراً متميزاً وفاعلاً في كثير من المنابر المحلية والإقليمية والعالمية، فهو يرى إن الدين هو الأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وهو غنيُ عن التعريف كوردي الأصل جريئاً في مواقفه، معتدلاً في توجهاته، كان حريصاً على الالتقاء والالتفاف حول القواسم المشتركة تهم الجميع يرى أن ((العرب والكورد يشكلان معاً وحدة أخوية متكاملة ضمن النسيج السوري ويتحملان معاً واجب الدفاع عن وحدة تراب السوري وحضارته وإنجازاته عبر التاريخ ولهما الحقوق نفسها في المواطنة التي ينبغي أن تتغلب على أية صيغة أخرى)).
وكان الشيخ محمد معشوق الخزنوي يحظى بمكانة متميزة في الوسط السوري، السياسي والقومي والديني، لأنه من الشخصيات الإسلامية الكوردية المتنورة، والمهتمة بالشأن السوري العام، لتألقه الكاريزمي وروحه السمحة وأفكاره النهضوية واجتهاده الديني في روح النص.
كان دائماً ينتقد السياسات الخاطئة من قبل السلطة تجاه حقوق شعبه الكوردي في سوريا، وحقوق كافة القوميات والأقليات المتواجدة في سوريا، وعن المظالم التي يتعرض لها الشعب الكوردي نتيجة السياسات الشوفينية المنتهجة حياله، وكان مدافعاً صلباً وعنيداً عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامة المواطن، والعلمانية وفصل الدين عن الدولة وتمكين المرأة ، وإدانة العنف والإرهاب، كان الشيخ الخزنوي يتبنى موقفاً متقدماً من مسألة تمكين المرأة حقوقها السياسية كافة في ظل الالتزام بقيم الإسلام وآدابه، كالرجل سواء بسواء، ولها الحق القيام بممارسة دورها في خدمة المجتمع، ولها حق التعليم وكل المهن المشروعة التي لا تناقض طبيعتها الفيزيولوجية.
وبشجاعة استثنائية دافع الشيخ معشوق عن الحكومة الفرنسية العلمانية في أخذ القرارات التي منعت المرأة ارتداء الحجاب في المدارس. وبشجاعة مماثلة أكد في خطبة له أن لا شيء في الإسلام يمنع إمامة المرأة. 
لقد تميز الشيخ الجليل الخزنوي بالجرأة في مواقفه تجاه كافة القضايا التي تهم الوطن والمواطن، يناقش، يحاور، يستمع إلى وجهة نظر الآخر بكل احترام، حتى ولو اختلفت معه، كان حريصاً على الالتقاء مع سائر مكونات النسيج الوطني السوري.
مما لا شك فيه إن السلطة مسئولة مسئولية أخلاقية وسياسية وإدارية عن أمن مواطنيها، لأن حماية الوطن والمواطن من واجبات السلطة، وفي هذا المنحى أجمعت مواقف الحركة الكوردية في سوريا وذلك عبر بياناتها تحميل السلطة مسئولية اغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي بغض النظر الجهة المختطفة.
إن الغاية من هذه العمليات مهما كانت هوية منفذيها، كم الأفواه ومصادرة الرأي وحرية التعبير والدعوة إلى الديمقراطية، وإن جميع هذه القضايا هي في صلب حاجات مجتمعاتنا الملحة.
إن هذا الإصرار من قبل قوى الظلام على تعطيل القلم الحر والكلمة الحرة ناتج عن مدى قصر نظرهم حيال القضايا والتطورات التي تجري في عالمنا اليوم، عليهم أن يدركوا بأن المستقبل للحرية والديمقراطية والحوار الوطني الحر سبيلا ً للازدهار والتقدم.

في ذكرى مصرع الشيخ معشوق الخزنوي

خالص جلبي
جاءتني من أخت فاضلة كردية تعمل في الصحافة تسألني رأيي في الشيخ معشوق الخزنوي، الذي قضى نحبه بيد المخابرات السورية، كفكر وحدث وجريمة، بعد أن تم رسم سيناريو عجائبي عن ظروف موته، أنه إنه قتل على يد جماعة سلفية في حلب، ليدفن بعدها في مدينة دير الزور، بعيدا عن مسقط رأسه، في قرية تل معروف التابعة لمدينة القامشلي، وينقل جثمانه إلى القامشلي فيما بعد، وهو ما يذكرني بفلم (فان توماس) العجيب؟ أو اختفاء الملك الأموي هشام المؤيد مرات ميتا ثم يبعث من اللحد؟؟ وعندما قتل الشيخ الخزنوي فليس لأنه كردي، فهذا تسرع في الحكم، بل لأنه شكل خطرا مميتا على الطاغوت فكان لابد من التهامه..
وخلاصة القول في موت واختفاء معشوق الخزنوي أو باقر الصدر أو موسى الصدر أو حاليا ميشيل كيلو الذي استقدم الأنجيل من زوجته كي يموت في سجن البعثيين في دمشق.. فالشيخ الخزنوي ليس بدعة من الرسل والمصلحين، فهناك الكثير من الأنبياء قتلوا، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، والمسيح وصل لحافة الصلب بدون صلب، ليختفي في ظروف أشد عجبا من اختفاء معشوق أو الإمام الأثني عشر، فهذه هي قصة مكررة في ظلمات الاضطهاد السياسي، ولقد أعملت الذهن جدا في هذه المسألة، فانفتح لي نور من روزنة التاريخ.. فأقول وبالله المستعان..
قبل أن يموت (تشاوسسكو) بأربعة أيام سئل عن الأوضاع في رومانيا وكان في زيارة إلى طهران هل يمكن أن تتأثر بالإعصار الذي يدمدم في شرق أوربا وتتساقط فيه تباعاً عروش الملوك الحمر ؟ قال : سلوا شجرة التين هل تنبت حسكاً ؟ صحيح أن من حولي تساقطوا ولكنكم لا تعرفون الشعب الروماني وقيادته الحكيمة. وعندما سألوه عما يحدث في مدينة (تيمي شوارا) والعصيان المدني خلف قس مغمور؟ قال: أما القس الذي حرض على الشغب فهو أخرق مأفون وأما من حوله فهم شرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون. وبعد أربعة أيام كان يحاكم ويعدم ولا يعرف قبره. وانطبقت عليه دورة التاريخ فأخرجوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيه فاكهين كذلك وأرثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
وأما شاه إيران فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن لا ملجأ من الله إلا أمريكا فخذلته ورفضت استقباله مع أنها هي التي صنعته على عينها. وعندما تشفع لأولاده أن يتابعوا دراستهم سمحت لهم بدون رفقة الوالدين. وعندما شكا من المرض قالوا له بعد وساطات وتوسلات إنها إقامة للعلاج فقط فإذا قضيت خرجت ولم تعقب. وبعد العلاج دفع بعربة من البوابة الخلفية للمستشفى فخرج من حيث تخرج النفايات وتدخل البضائع. وعندما أصبح في (باناما) عند ديكتاتور صغير قطعوا عنه التلفون وبدأوا يخططون لتسليمه للحكومة الإيرانية الجديدة. وعندما أوى في النهاية إلى طاغية مثله بكى سوء الحال وانقلاب الزمن وتنكر الأصدقاء ونفض أمريكا يدها منه إلى درجة أن أفردت له ملفاً بعنوان (الخازوق) وأن يخاطبه مسئول أمريكي بقوله: يا صاحب الجلالة يظهر أنك مختل عقلياً. وأن يبتلع أحد سماسرته سبعين مليون دولار بضربة واحدة فيعض الشاه على أسنانه محنقاً إنها سبعين مليوناً فهل ضاعت في أنابيب المجاري.
وفي النهاية كاد أن يموت الشاه غيظاً فحبس نفسه في حجرة عندما علم أن رجل أعماله (بهبهانيان) اختفى مثل الملح في الماء بمئات الملايين من الدولارات وهو لا يستطيع أن يقاضيه أو يرفع عليه دعوى لأنها كانت صفقات سرية.
روى كل ذلك (حسنين هيكل) في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ). وفي مصر فتح يديه بالهبات والمجوهرات التي كان يحملها معه في حله وترحاله عسى أن تؤلف القلوب، وقيل أنه حمل معه من ثروة إيران ما زاد عن خمسة مليارات دولار، واعترف مسئول بنكي سويسري بثروة له زادت عن عشرين مليار دولار، وكانت أربع حقائب كبيرة محشوة بالكنوز لا تفارق عيناه حتى قبل موته بلحظات عسى أن تنفعه يوم الزلزلة. فما أغنتهم عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وفي النهاية مات بالمرض الخبيث وأصبح سلفاً ومثلا للآخرين.
إن أمريكا تستخدم الطغاة ولا تحبهم فهي تصيخ السمع لخونة الشعوب ولكنها لا تحب الخائن وتعرف أن دور الجلادين لا يزيد عن (ممسحة زفر) فإذا انتهى دورهم رسا مصيرهم حيث ترمى أوراق المهملات التي نظفت القاذورات لتصبح مع القاذورات وبئس القرار.
"رسم مصير الطغاة في التاريخ بريشة سريالية. "فكلاً أخذنا بذنبه؛ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون". هكذا يرسوا مصير الطغاة بين طلقة في الرأس، مع جرعة سيانيد في انتحار مضاعف، كما انتهى هتلر وعشيقته إيفا براون. وبين فرعون يغرق في اليم هو وجنوده أجمعون. أو الإمبراطور الروماني (دوميتيان) الذي يقتله 14 من أهل بيته دفعة واحدة طعناً بالخناجر.
وبين تشاوسيسكو الذي انشقت الأرض من تحت قدميه فابتلعته فلم يعثر له على قبر؟
وبين من دارت عليه الدائرة بعد طول جبروت، ليعلق من قدميه عاريا كالخاروف في المسلخ، في ساحة عامة، كما حصل لـ (موسوليني) وعشيقته (كلارا بيتاتشي). أو إمبراطور الحبشة (هيلا سلاسي) الذي أودع دورة المياه وردم فوقه بالإسمنت المسلح على يد هيلا مريم، وهو أبغض الناس لمريم. أو مع إعدام صدام المصدوم.
ولكن التاريخ يفاجئنا بصورة مبتسرة، غير مكتملة، بل وأحيانا مقلوبة الظل، حيث مات (ستالين) في كل طغيانه وعنفوانه. وحافظ الأسد صنو صدام، ورفيق مغامراته، ومنافسه اللدود من نفس المعدن والعود، الذي حمل على عربة حربية فقال الرفاق ابنوا له بنيانا، فكل سوري وجب عليه الحج إليه مرة، والطواف سبعا في سبعة فروع أمنية، ثم رمي أبي رغال الزعبي في حوران.
ومات (فرانكو) طاغية أسبانيا عزيزا كريما، ووضع جثمانه في ضريح عظيم في مبنى هائل، على سفح جبل، فوقه أعلى وأكبر صليب في العالم، وهو عدو المسيح رقم واحد. فهو نصب خالد لكن من زار مدريد. زرته أنا ووظئته بقدمي مع مساعده الأيمن من العصابة.
وأما (لينين) فمات وهو يرسل الناس إلى الموت بإشارة وكلمة، كما كشفت الأبحاث الحديثة عن رسائله الأصلية المكتوبة بخط يده، والمودعة في سرداب فظيع محفوراً تحت الأرض بثلاث بوابات مصفحة يصمد لقنبلة نووية. التاريخ إذا يظهر ثلاث صور متباينة: طغاة يَقتلون ويُقتلون مثل صدام وميلوسوفيتش. وطغاة يَقتلون ويُحملون على محفة عسكرية بكل مظاهر التكريم إلى قبورهم مثل عبد الناصر وبول بوت وستالين وحافظ أسد؛ فيدفنون في ضريح عظيم يحج الناس إليه من كل فج عميق.
وعلى العكس من ذلك نرى نهاية بعض الصالحين والفلاسفة والأنبياء الذين عذبوا وشردوا وقتلوا بدون قبر؛ فـ (سقراط) انتهى بتجرع سم الشوكران. وطعن (سبينوزا) بسكينة في رقبته، وأحرق (جيوردانو برونو) في ساحة عامة مثل الفروج المشوي. وحبس (ابن تيمية) حتى الموت في سجن القلعة بدمشق فانتهى به الأمر أن كان يكتب بالفحم على الحيطان مثل المجانين. ونحر (سعيد بن جبير) بين يدي الحجاج وهو يشخب في دمه ويصيح الحجاج بل أنت شقي بن كسير؟
الصورة كما نرى ضبابية، فبقدر النهاية التي تحمل العبرة في سقوط الجبارين، وأن الكبرياء سبقت السقوط دوما؛ بقدر نجاة الكثير من الطغاة بجلودهم في عزة وشقاق. أو بالعكس بمصرع الكثير من المصلحين حرقاً أو ضرباً بالرصاص أو صلباً أو اغتيالا مثل الشيخ المعشوق الكردي، أو مثل سبارتاكوس أيام روما، أو شنقاً مثل سيد قطب، والمعمم الأزهري يقول له انطق بالتوحيد، والرجل أمضى حياته في شرح التوحيد.
(حسن البنا) مات صريعا بالرصاص في شارع عام. والمصلح الديني التشيكي (هوس) انتهت حياته حرقا. ومات (الحلاج ) صلباً في بغداد بكلمة بعد أن جلد ألفاً و قطعت أطرافه بالتقسيط قطعة قطعة وهو يصيح الله ... الله في دمي؟
ومات الحسين وجميع آل البيت ذبحا على يد يزيد الخليفة الأموي لوم ينجو إلا طفل مريض بالصدفة. وأنهى المفكر السوداني (محمود طه) حياته وهو يتأرجح على حبل المشنقة بتهمة الردة.
ماتوا جميعا لا لذنب فعلوه؟ بل من أجل أفكارهم ونشاطهم. فهل يمكن أن نفهم ما يحدث ونرى الصورة واضحة متألقة في نهاية الطغاة والصالحين؟
تبدو نهاية الدنيا في بعض الأحوال كوميديا تدعو للضحك، وليست خاتمة المطاف، أو نهاية الدور الأخير على خشبة المسرح؛ فقد ينتهي طاغية في الدنيا بما يستحقه من لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كما حصل مع (آركان) و(ميلوسوفيتش) في صربيا وصدام عند أوروك. أو على العكس قد يودع الحياة هنيئا مريئا مرتاحا على كرسي السلطة، ويحكم من قبره كما حصل مع جنكيزخان وحافظ أسد وآخر من شكله أزواج.
وإذا كان تشاوسيسكو قد دلف إلى قبره باللعنة والرصاص؛ فإن نظائره وهم كثر ماتوا بالهتاف بحياتهم، ولطم الخدود لفقدانهم. ورفع الأعلام السوداء وتعتيم زجاج السيارات والباصات عنوة وهي مخالفة دورية دولية ولكن من يعبأ؟
وهناك من زحفت في موته جماهير هائلة مثل عبد الناصر وهو الذي قاد إلى كارثة العرب أجمعين؟؟ وينتحر البعض حزنا عليه كما رأيت أنا في لبنان؟ بحيث يفرك المرء عينه ولا يصدق هل هو المجنون أم هم المجانين؟
إنها جدلية محيرة كما نرى يحتاج الإنسان فيها إلى بوصلة جديدة من غير هذا العالم، بإحداثيات مغايرة ليفهم هذا اللغز. وأحيانا يمسك الإنسان رأسه بين يديه ويتساءل هل هو في بلاد (أليس) للعجائب أم أرض عبقر للجن؟؟؟
إننا مطوقون بالظلمات، مسحورون... سكرت أبصارنا ... وختم الله على قلوبنا وعلى سمعنا وعلى أبصارنا غشاوة فهم لايفقهون؟
إن التاريخ يمشي وفق قانونه الخاص، وترزح الشعوب في العذاب المهين إلى أجل غير مسمى، وتتحمل الأمم كثيرا، ويموت الكثير من الطغاة، بكل سؤدد وفخار. فقد حكم (رمسيس الثاني) سبعين سنة وأنجب مائة من العجيان، وبقي الفرعون (بيبي الثاني) متربعاً على سدة الحكم تسعين سنة، وأما (فرانكو) فقد استمر يركب ظهور العباد يقودهم بالسوط أربعين سنة كاملة غير منقوصة وربما ستجاوزه القذافي فيسبقه إلى حيث ذهب، وهو الذي عين الملك (خوان كارلوس) الحالي بدلا من أبيه. وعندما مات (لويس الخامس عشر) طرب الناس في جنازته ولم يصدقوا أنه رحل أخيرا، فقد ملوا حكمه الطويل الذي تجاوز نصف قرن. وعندما رمي (بريجينيف) في قبره وقع التابوت فتكسر؛ فلم يأبه له أحد، فالكل مله وانتظر نهاية مرحلته بعد طول عفن. إن الأوضاع السياسة تصل في بعض مراحلها أن البلد كله يوضع في ثلاجة، فتتجمد فيه مفاصله حتى موت الطاغية.
ونشرت مجلة (در شبيجل) الألمانية في إحصائية مثيرة عن أطول الناس حكماً فكان في رأس المخطط حكام العالم العربي في متوسط يصل ثلاثين عاما ويزيد! مما يجعلنا نعلق على صدرونا نياشين رائعة؟ في إعلان خفي عن بزوغ عصر الملكيات في الجمهوريات، في رجعة قهقرى ضد مجرى التاريخ.
إن الطفل عندما يكتمل خلقه في الرحم لا يسأل كيف جاء إلى الحياة؟ وهل كان من زواج أو سفاح أو اغتصاب، وعندما يولد إلى الدنيا يأخذ اسمه، وفي عالم السياسة تتخمر الأحداث والأيام حبالى وتتكون الأوضاع وتبرز إلى السطح فيتعجب الناس كيف حدث هذا؟ وهي من صنع أيديهم.
يقول المؤرخ الأمريكي (ديورانت) وهو يستعرض بعض المراحل التاريخية أنه مر عدد من الحكام لم يحصل في فترة حكمهم شيء يؤبه له أو يحتاج أن يذكر. ونحن اليوم نتذكر (ابن رشد) مثل الشعرى اليمانية في أفق التاريخ، ولا نذكر أسم الملك الذي عاصره؛ فقد انمحى اسم الملك من الذاكرة لأنه لا جديد تحت الشمس، مع أنه أيام الملك الموحدي كانت كل مصائر الناس بمن فيهم ابن رشد بين إصبعين من أصابع الحاكم يحركها كيف يشاء وهو يلعب بالمسبحة وهو الذي قرر النفي لابن رشد في عمر السبعين. إن الملك الذي نفى ابن رشد يتمنى لو قرن اسمه باسم ابن رشد.
إن هؤلاء الشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون. إنهم كسروا حاجز الموت ومربع الزمن فهم يسبحون في فضاء الذكر إلى يوم يبعثون. إن المماليك بركوا خمسة قرون على صدور المصريين بدون حراك وبركة وكذلك العثمانيون. ولكن مسلسل المماليك البرجية والبحرية يمكن ضغط الزمن فيه فلا يتغير شيء. وهكذا فالزمن كما يقول (محمد إقبال) إنه ليس دورة الفلك بل حالة النفس وتقلب المجتمعات.
إن أحدنا تمر عليه أسابيع يعيش مثل النبات وفي بضع ساعات يتطور فيها بأكثر من سنوات. ذلك أن شخصية الإنسان هي بتراكم الخبرات وليس بالرتابة اليومية والروتين القاتل. ومن العجيب أن ما يصقل جوهر الإنسان ويسمو به في معارج القدس هو المعاناة . ولقد خلقنا الإنسان في كبد.
إننا لا نفهم حركة التاريخ ولا نملك التحليق العلوي لنبصر تسلسل الأحداث ولا نعي لماذا ترزح الشعوب في الضلالة وتسبح بحمد الطواغيت مع أنه لا يقدر عليهم إلا بقدر ما منحوه أنفسهم. إنها (عبودية مختارة) كما يقول (آتيين دي لا بواسيه) ولا تحتاج للتخلص من هذه القيود أن تقتل الحاكم أو تتآمر عليه. إن ما تحتاجه يختصر بكلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان وهي : (رفض التعاون) و (عدم الطاعة). لكنها وصفة لا يعرفها المثقفون ولا يتقنها المواطنون ولا يوجد حولها مؤسسات ولم تخلق بعد في قاموسنا الفكري والكل في الضلال المبين.
إن المصلحين الاجتماعين والفلاسفة المفكرين قد يقتلون أو تنتهي حياتهم على شكل أسيف في عصر الظلمات السياسي التي تمر بها الأمة ولكن موتهم يختلف عن موت الطغاة. فهم يخضعون لقانون دفن البذرة في الأرض كي تخرج منها شجرة باسقة طلعها هضيم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
و(نزار القباني) بقي منفياً طول حياته ولم يقبله وطنه إلا جثة ولكن شعره يقرأه الأطفال قبل الكهول وفي كل الأرض. وأما موت الطغاة والجبارين فهو شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. إن موت الطاغية هو نهاية نظام ونخبة لأن الحاكم لا يحكم بنفسه بل بشبكة جهنمية يديرها من حوله رهط أتقنوا الإجرام واستكان لهم الناس بالفزع الأكبر. لكن الذي يحدث يتكرر كما حصل مع شاه إيران عندما قال: إن حولي 750 ألفا من الجنود والضباط فمن يريد الوصول إلي عليه أن يقفز فوق رؤوس هؤلاء أجمعين. واستكبر هو وجنوده بغيا في الأرض حتى جاء يوم الزلزلة وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود.
ويمضي التاريخ وتنضج الشعوب ويتقلص ظل الجبارين ويموت أهل الفكر فيتركون أملا في الحياة ويسحق الجبارون سحقا. ويكتشف الناس في ذهول أن الموت حق لأنه يكنس الظالمين ويطور الحياة وبذلك يصبح الموت أحد مفردات الحياة. يقول (ديورانت) إن الامبراطور (كاليجولا) قال لجدته أنطونيا عندما حاولت نصحه :(اذكري أن في مقدوري أن أفعل أي شيء بأي إنسان) وأرغمها في النهاية على قتل نفسها. وذكر لضيوفه في إحدى الولائم أن في وسعه قتلهم أجمعين وهم متكئون في مقاعدهم لا يبرحون. وكان وهو يحتضن عشيقته أو زوجته يقول لها ضاحكاً (سيطيح هذا الرأس الجميل بكلمة تخرج من فمي).
وكان يرسل إلى النساء ممن يهوى كتابا بالطلاق بأسماء أزواجهن (فلم توجد امرأة ذات مكانة إلا دعاها إليه) وأنفق في أحد ولائمه (عشرة ملايين سسترس) وفرض الضرائب على كل شيء حتى الحمالين والعاهرات ولو تزوجن. ونفى كل الفلاسفة من روما لأنهم رمز الخطر ومقلقي النوم العام ومفكر واحد أخطر من فرقة عسكرية مدرعة. وجاء اسم الفيلسوف (سينكا) في قائمة الإعدام إلا أنه نجا لكي يقتل لاحقا على يد نيرون. ونجا عمه (كلوديوس) من القتل عندما تظاهر بأنه أبله مجنون.

وأخيرا طلب من الناس عبادته لأنه أفضل الآلهة ونصب تماثيله في مداخل المدن والساحات العامة وهو يحيي الجماهير. وفي النهاية قتل على يد ضابط من الحرس (البريتوري) وعندما ترددت الإشاعات في البلد أنه قتل لم يصدق الناس ويقول (ديو) المؤرخ أن: (كاليجولا عرف في ذلك اليوم أنه ليس إلهاً).

جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة الخزنوي| إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : مستر ابوعلى