Ma'shuq Foundation

Ne şêx bû, ne jî bi tenê pîrozmendekî me bû, têkoşerê evînê bû, xweşik mîna giyan û zelal mîna eşqê bû. Çîroka me ji me re şirove kir, em fêrî evînê, silavê kirin û em fêrkirin em dê çawan welat di maçekê de kurt bikin. Em fêrkirin em dê çawan şehîdên xwe bi stiranan rapêçînin. Şêxê me bû, hevalê me yê ku me jê hezdikir û hezdikin, bû. Şehîdê biyan, şehîdê dastana hişê me yê nû, hevalê me yê ku tembînameya me bi destê xwe nivîsand û hetahetayê nemir. Em hr tem  di salvegera  jiyana wî de silavekê lê dikin!
لم يكن شيخا، ولم يكن قديسا فقط ، كان داعية للحب جميلا مثل الروح ونقيا كالعشق شرح لنا الحكاية ،علمنا كيف نحب ،كيف نصافح ،كيف نختزل الوطن في قبلة ،كيف نلف الشهيد بالاغاني ،كل ذلك كان مولانا الشيخ ،رفيقنا الذي نحب ،الشهيد الغريب ،الصديق الذي كتب وصيتنا ولم يمت.  نحييه في كل ح¡

وإنك لعلى خلق عظيم



أيها الأحبة:
لقد خلق الله البشر في هذا الكونالفسيح، المترامي الأطراف الذي سخّر بكل ما فيها للإنس والجن، لغاية سامية رفيعة وهي غاية وجودنا في هذا الكون ألا وهي عبادة الله وحده، هذه الغاية التي أكد عليها ربنا في قرآنه فقال ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وحتى تتعرف البشرية على مقصود مراد لله وغايته وحلاله وحرامه وحتى تجتنب البشرية سخط وغضب الرب وعد الله أنه سوف يتكرم بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين معلمين فقال ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ﴾ [الإسراء آية 15]، وهكذا تتالى إرسال الرسل إلى البشرية من لدن آدم عليه السلام إلى أن رفع الله المسيح عيسى عليه السلام إلى السماء،حينها دخلت البشرية في ظلمة قاتمة، وارتدت عن طريق الحق، فكان إرادة الله بإرسال رسول خاتم إلى البشرية جمعاء، حيث كانت الرسل ترسل إلى أقوامها خاصة، وقد كان العالم وقتها بأمس الحاجة إلى مصلح ومنقذ ذو همة عالية، يستأصل بدعوته جذور الفساد، فكانت ولادة سيد البشر محمد بن عبد الله الذي أشرق نوره على ربوع مكة التي غرق أهلها في الجاهلية والشرك.

هذا الحدث العظيم الذي يحتفل المسلمون به في مثل هذه الأيام حسب بعض الأقوال، لأنه قد اختلف في تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، والراجح أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول عام الفيل، أي بعد الحادثة بخمسين يوماً، ويصادف ذلك سنة 571 من ميلاد عيسى عليه السلام.

ونحن اليوم عندما نتحدث عن مولد الحبيب النبي، مولد السعادة للبشرية، لا نملك إلا أن نمدح أنفسنا بالثناء على صاحب الذكرى ونرفع من قدرنا بالانتساب اليه، ونشمخ بأنوفنا فخاراً واعترازاً بالايمان به، والسير في ركابه، وفي هذه الذكرى العطرة يكثر الخطباء والبلغاء في الوصف والثناء في الحبيب النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، غير أنني أجد اللسان عاجزا عن أداء الواجب، فلا تستطيع قطرة الماء أن تصف وتصور البحر، ولا يمكن لذرة الرمل والتراب أن تصور الجبل، كل الذي أستطيع قوله في هذه الذكرى أن أتوجه إلى صاحب الذكرى لأقول: سيدي يا رسول الله، ماذا عسانا أن نقول وقد اصطفاك الله لنفسه وجملك بكل خلق عظيم ووصفك في قرآنه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة القلم الآية 4] هذا الحق العظيم هو القرآن.

فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سُئلَت عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: "كان خلقه القرآن"، لما لأن الله قال له: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة القلم الآية 4].

فقد تجلت عظمتك يا سيدي يا رسول الله في كل ناحية من نواحي حياتك وأخلاقك.

تجلت عظمته في أمانته حتى أسماه أعدائه بالصادق الأمين.

و تجلت عظمته في صدق لهجته حتى قال أعدائه ما جربنا عليك كذباً قط [القصة].

وتجلت عظمته في صبره وثباته على الحق عندما احتمل قومه ولم ينتقم، ولما فعل المشركون به في أحد ما فعلوا وشجوا وجهه المبارك وكسروا رباعيته الشريفة قال أصحابه كما في صحيح مسلم، لو دعوت عليهم يا رسول الله، فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إني لم أبعث لعاناً ولكن بعثت داعيا ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

وتجلت عظمته في عفوه وحلمه عندما دخل مكة فاتحاً ومنتصراً، ووقف مشركوا مكة وصناديدها عبيداً أذلاء بين يديه،كما رواه البيهقي في (السنن الكبرى) وفي (دلائل النبوة) عن أبي هريرة قال (ما تقولون وما تظنون؟ قالوا: نقول: ابن أخ، وابن عم، حليم، رحيم، فقال أقول كما قال يوسف: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].

وتجلت عظمته في تواضعه، فقد روى ابن ماجه، والحاكم في المستدرك وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه أن رجلاً أعرابياً جاء إلى رسول الله وتشرف برؤيته وتمعن في طلعته البهية، فأصابته رعدة من هيبته وجلاله فاختلجت أضلاعه، واضطرب من شدة هيبته ماذا فعل النبي؟ أعجبه ذلك؟ رضي أن يخضع له؟ أن ترتعد مفاصله خوفاً منه؟.

استدناه، قال اقترب مني يا فلان وربت بيده على كتفه في حنان، وفرط تواضع، وقال:((هون عليك، لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة..))، ما رضي صلى الله عليه وسلم أن يستعلي عليه، ما شعر بدغدغة في مشاعره حينما يخضع له الناس، ويعظمونه، قال:((هون عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة)).

و تجلت عظمته في شجاعته فقد روى الإمام احمد والنسائي عن علي ابن أبي طالب قوله: كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله فما يكون أحد اقرب إلى العدو منه.


تجلت عظمته في قبوله للآخرين وعدم نفيهم، وكان لقاء عجيبًا ذلك الذي جمع هذا الرجل الطيب عليه الصلاة والسلام مع نصارى نجران، حيث جاءوا إلى المدينة والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوته وبين أهله وذويه، وجاء القوم من بلادهم وهم ضعاف ينظرون ماذا سيفعل بهم هذا الرسول الذي لا يؤمنون ببعثته.

ودخل ستون فردًا على الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، وهم يلبسون أحلى ما رأى الناس، حتى قيل لم نرَ وفدًا مثلهم، ولم يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاستعراض وهذه الجلبة وهو في محرابه، بل استقبلهم داخل مسجده وبجانب محرابه، وفي موطن عبادته وتوحيده.

ولما حان وقت صلاتهم، اتجهوا نحو المشرق، وأرادوا أداءها في المسجد، وفي اتجاه مخالف لاتجاه المسلمين.. تثليث وصلبان وصلاة مغايرة في مقابل التوحيد وصاحب الرسالة، ورفض الصحابة هذه الإثارة، ولعلّ البعض رآها استفزازًا، ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قَبِل ذلك، وطلب من أصحابه الأفاضل السماح للضيوف الكرام أداء صلواتهم في المسجد، على مرمى عين صاحب الرسالة، احترامًا لعيسى وآل عيسى وأتباع عيسى عليه السلام.

ولقد بقي هذا الجمع يسكن المسجد لأيام، في ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم، يأكلون ويشربون ويصلون وينامون، دون إزعاج أو مضايقة أو منع أو تنديد.. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم.

تجلت عظمته في احترامه للإنسانية كلها عندما وقف ذات يوم عند مرور جنازة احترامًا لجثمان الميت، كما روى البخاري في صحيحه، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً، تذكيرًا بأصل الخِلقة وتكريم الخلق على اختلاف مشاربهم وأجناسهم وأديانهم وثقافاتهم.

فأكثروا من الصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، فقد ورد في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام صعد المنبر ذات يوم فلما صعد الدرجة الأولى قال آمين فلما صعد الثانية قال آمين فلما صعد الثالثة قال آمين فلما انتهى سأله أصحابه عن أمره ذاك فقال لما صعدت الدرجة الأولى جاءني جبريل فقال بعد وخسر قلت من يا جبريل قال من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين فلما صعدت الثانية قال بعد وخسر قلت من يا جبريل قال من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت آمين فلما صعدت الثالثة قال بعد وخسر قلت من يا جبريل قال من إذا ذكرت عنده فلم يصلي عليك فقلت آمين. اللهم صلِّ عليه.

سيدي يا رسول الله..
فلو أن إنساناً تخير ملةً 
لما اختار إلا دينك الفقراء


• • • •

المصلحون أصابع جمعت يداً 
هي أنت بل أنت اليد البيضاء


صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.

ثوبان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فيجده يبكي فيقول له ما يبكيك يا ثوبان؟ رسول كريم رحيم كان حبيب الفقراء وجليس المساكين.. إنه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

ما يبكيك ياثوبان؟ أتدرون مما يبكي ثوبان، إنه لا يبكي لأن به وجعاً، لا، ولا لأن ماله قليل، ولا يبكي لأنه يريد منصباً من مناصب الدنيا الفانية، فما الذي يبكيك يا ثوبان؟ قال يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي ومالي وإنك إذا غبت عني اشتقت إليك وتذكرت القيامة فعرفت أنك داخل الجنة مع النبيين وإني إن دخلتها لا أراك، وعلى ذاك أبكي. فماذا كان جواب رسول الله؟

إنها المحبة والخشية من الافتراق، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإيمان، وهي محبة واجبة لازمة تابعة لمحبة الله جل وعلا.. قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) محبة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة وتابعة لمحبة الله، وإن غرست شجرة الحب للحبيب صلى الله عليه وسلم في القلب وسقيت بماء الإخلاص أثمرت كل أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها وازهرت كل صور الاقتفاء والاتباع للمحبوب صلى الله عليه وسلم.

فالحب هو ميل القلب إلى المحبوب، ولا يكون المحب صادقا للمحبوب إلا إذا وافق حبه هوى المحبوب، فحبك للنبي بأن تكون على دربه وإن خالف قوله وفعله هواك، وأن تبتعد عن نهيه وإن مال اليه هواك
تعصي الإله وأنت تظهر حبه 
هذا لعمري في القياس بديع 
لوكان حبك صادقا لأطعته 
إن المحب لمن يحب مطيع 

ما يبكيك يا ثوبان؟ فقال يا رسول الله، لأنت أحب إلي من نفسي ومالي، وإني لأذكرك فما أصبر حتى أجي فأنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتها لا أراك، عندها كان جبريل يجوب الآفاق وينزل السبع الطباق وينزل على مبعوث العناية الإلهية بقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70] فدعا به فقرأها عليه وقال: (من أحبني كان معي في الجنة).


فالحب يثمر الاقتداء والاتباع ولا يمكن أن تصل إلى درجة الحب الصادق إلا إذا امتثلت الأمر واجتنبت النهي ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، ولا يكتمل حبك أيها المحب إلا إذا كان حبك للنبي صلى الله عليه وسلم أشد من حبك لولدك ووالدك ومالك، تدبر لتتعرف على حقيقة حبك للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى اكون احب اليه من ماله وولده والناس أجمعين).


فلا إيمان كامل لمن لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [24: التوبة].

أنا أسألك هل تحب رسول الله أكثر من حبك لأولادك سنجيب جميعا باتفاق نعم، اسمح لي أن اطرح عليك هذا التساؤل هل تحب رسول الله أكثر من ولدك، تنادي عليك زوجك في جوف الليل يا فلان استيقظ فتقوم مذعورا مفزوعا ما الخبر فترد عليك زوجك ولدك ارتفعت حرارته، الولد في خطر، فتستيقظ وتحمل ولدك على يدك وتجري في الشوارع والطرقات تبحث عن أقرب طبيب ثم تنظلق لتبحث عن أقرب صيدلية لتصرف منها الدواء، إنها رحمة رقيقة أسأل الله أن يأجرك عليها، ثم تعود إلى البيت لتنام من جديد، وبعدها يأمرك رسول الله عليه الصلاة والسلام بالقيام من فراشك بقول المؤذن الصلاة خير من النوم هيا أيها المدثر بالأغطية قم امتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، السؤال هنا هل تكون استجابتك لأمر نبيك كاستجابتك لنداء ولدك، أين الحب فما أيسر الادعاء والقول.

حبك لأبنائك لزوجتك لمالك لعشيرتك أمر مطلوب ومقبول، لكن الذي ليس بمقبول أن لا ترتب أولوياتك، بأن يكون جميع ما ذكر بعد محبة الله ثم محبة رسوله، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين) يريد منك أن ترتب أولوياتك.

وهنا مثال واضح على ذلك، فقد روى البخاري عن عبدُاللَّهِ بْنُ هِشَامٍ رضي الله عنه: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْآنَ يَا عُمَرُ).

حب الإنسان لنفسه أيها الأحباب طبع وجبله جبل الإنسان عليها، ولكن حب الإنسان لغيره اختيار يولده الأسباب، ولم يطلب رسول الله من عمر حب الطبع، وإنما طلب منه حب الاختيار قال الحافظ ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري فلما نظر عمر في الأسباب وجد رسول الله سبب تجاته عندها نطق والله الذي لا اله إلا هو لا أنت الآن أحب إلي من نفسي.

ولكن يجب أن تعلم أن المحبة أمانة ثقيلة، وحمل عظيم، أمانة ذات تكاليف، تتطلب منك الوفاء به من العمل بسنته والاقتداء به
من يدعي حب النبي ولم يفد 
من هديه فسفاهة وهراءُ 
فالحب أول شرطه وفروضه 
إن كان صدقا طاعة ووفاءُ 

فالمحبة ليست ادعاء باللسان، وليست مجرد قصيدة شعر يلقيها شاعر، وليست خطبة تلقى على أعواد المنابر، ولكن المحبة منهج متكامل شامل، ولأن المسلمون لو أحبوا رسول الله بما يليق بقدره عند الله لغير الله حالنا.

وذلك لأن قدر المصطفى وشأنه عند الله عظيم، وإن قدر الحبيب عند ربه لكريم، فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولى العزم الخمسة، نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً- صلوات الله عليهم جميعا- واصطفى من أولى العزم الخمسة الخليلين الحبيبين إبراهيم ومحمداً واصطفى محمداً على جميع خلقه، فشرح له صدره ورفع له ذكره وأعلى له قدره ووضع عنه وزره، وزكاه ربه فى كل شيء.

زكاه فى عقله فقال سبحانه: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2].

وزكاه فى صدقه فقال سبحانه: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [3: النجم].

وزكاه فى فؤاده فقال سبحانه: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [11: النجم].

وزكاه فى بصره فقال سبحانه: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [17: النجم].

وزكاه فى صدره فقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [1: الشرح].

وزكاه فى ذكره فقال سبحانه: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [4: الشرح].

وزكاه فى طهره فقال سبحانه: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ [2: الشرح].

وزكاه فى حلمه فقال سبحانه: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

وزكاه كله فقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (4) سورة القلم.

وذلك لأن الله اصفاه لنفسه واحبه وأعلى قدره، ومن أكثر علامات حب الله لنبيه أن الله ما نادى أحدًا من الأنبياء في القرآن إلا ناداه باسمه المجرد فقال:

 ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35]

 ﴿ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ ﴾ [هود: 48]

 ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾ [الصافات: 104، 105]

 ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النمل: 9]

 ﴿ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران: 55]

 ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]

 ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ ﴾ [مريم: 7]

• ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ﴾ [ص: 26].

وهكذا فلما أراد الله سبحانه أن ينادي على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب الايه 45-46] ولما ذكره باسمه المجرد قرنه بصفة الرسالة أو النبوة فقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران الآية 144]، هذه مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه.

الحديث عن مكانة رسول الله يطول، ويأخذ كل الوقت عظم مكانته عليه الصلاة والسلام، لكنني اختم أن ربنا جل في علاه ربط حبيبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أربعة مواضع علواً لقدره فوق مكانة البشر وقدرا فوق قدر المرسلين:



الأول: ربط ذكرك باسمه فلا يذكر ربنا إلا ونذكرك سواء في الشهادة أو الأذان أو الإقامة، وفي ذلك يقول الشاعر:
وضم الإله اسم النبى إلى اسمه 
إذا قال فى الخمس المؤذن أشهدُ 
وشق له من اسمه ليجله 
فذو العرش محمود وهذا محمدُ 


الثاني: ربط طاعته بطاعته فقال ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [سورة النساء الآية 4].

الثالث: ربط بيعته ببيعته فقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ ﴾ [سورة الفتح الآية 10 ].

الرابع: ربط محبته باتباعه فقال ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة آل عمران الآية 31].


فصلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آل بيتك الاطهار وصحابتك الاخيار.

اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبي عن أمته.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/65454/#ixzz3vHYEwaNu

الحاقدين والجاهلين والمفتونين كيف يكرهون النبي محمد صلى الله عليه وسلم

كيف ندافع عن رسول الله
خطبة الجمعة لمرشد معشوق الخزنوي – فريدلايك ستاد النرويج
من يلقِ بنظرة الآن على المجتمع الإسلامي في النرويج يجد أنه منشغل كله الآن بقضية إعادة نشر الرسوم بعد ان قامت جريدة داغ بلاد باعادة نشره قبل ايام ، وقد قام سائقوا التاكسي يوم الاثنين باضراب جزئي سببوا مشكلة في ازمة المواصلات في العاصمة اوسلو ، اضافة الى دعوة من جهات غير معروفة دعت الى تظاهرة امام البرلمان اليوم الجمعة بعد الصلاة ، والجميع يتساءل: لماذا تكرَّر الفعل رغم معاناة الدانمارك الشديدة من المقاطعة عند نشر الرسوم لأول مرة، وهو بلد اقتصادي في المقام الأول تهمُّها حسابات المال؟ ومع كون الرسوم تكررت إلا أن تفاعل المسلمين مع الأحداث أقل بكثير من المرة الأولى، حتى على صعيد النرويج فقد قل التفاعل مع الحدث في بداية يناير قامت جريدة أفتن بوستن باعادة نشر الرسوم ولم نسمع صوتاً ،
 وقد طرحت هذا السؤال على بعض المسلمين حول سبب ضعف التفاعل عند إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول صَلَّى الله عليه وسلَّم، البعض ارجعها الى ضعف التغطية الإعلامية للحدث ، والبعض الاخر الى خلَلٌ في حبِّ الأمة للرسول صَلَّى الله عليه وسلَّم ، لكن الغالبية ارجعوها الى اعتياد الأمة الإسلامية على الأذى والهوان
وهذه النتيجة أراها طبيعية، إذ إننا في المرة الأولى قد صُدِمنا؛ لأن الحدث جديد علينا، ولم نجد في العصر الحاضر من تجرَّأ على مقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلَّم، أما الآن فقد تكرَّر الحدث، وكثيرًا ما يكون ردُّ فعل الإنسان في المرات الثانية والثالثة لتكرار الحدث أقل من الأولى، وهذا ما أسمِّيه إِلْف المصيبة، أو نستطيع أن نقول: إنه إِلْفُ المهانة، وفيه يصدق قول المتنبي:
من يَهُن يسهلِ الهوان عليه        ما لجُرْحٍ بميت إيلامُ
لكن بتصوري ان قلة التفاعل عائد الى وجود خلل في محبة الرسول وليس إلف المهانة ،
لأن واقع الأمر أن هذا الإلف يحدث لوجود خللٍ في مسألة حب المسلمين للرسول؛ فحب الرسول ليس أمرًا عاطفيًّا أو قلبيًّا فحسب، بل هو أصل ينبني عليه أمور كثيرة؛ إذ هو أصل من أصول الإيمان، والأحاديث في ذلك متواترة؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَحَتَّى يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَلاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ نَفْسِى.
فَقَالَ النَّبِىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ".
قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الآنَ وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "الآنَ يَا عُمَرُ".
وليس هذا الحب كلمات تقال فقط، وإنما هو أعمال تُنَفَّذ، ومناهج حياة تُتَّبع، وليس من المعقول أن أَدَّعي حب إنسان ثم أجده يتعرض للأذى، ولا يتمعَّر وجهي، ولا تتحرك جوارحي، ولا تهتم نفسي.
ولتسألْ نفسك: هل لو تعرض ابنك مثلاً للأذى: أتكتفي بأن تحمل الهمَّ، أم تتحرك بكل طاقاتك للدفاع عنه؟
ولو تكرَّر الأذى، هل تكسل عن الدفاع مرة أخرى أم تتحرك ثانية بنفس القوة؛ لأنك تحبه حبًّا حقيقيًّا؟
لذلك لا يُقبَل أن نقول: إننا أَلِفْنا المهانة، ولا تُقبل حالة الفتور والتراخي في التعامل مع القضية؛ لأننا سمعناها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.
ولهذا فإنني أرى أن يسبق اجابة  الخلل في حبِّ الرسول كسبب لهذا الضعف اجابة من عللوه  بإِلْفِ الأذى؛ فالخلل في حب الرسول هو المرض، وإلف المهانة هو العَرَض.
أمّا الاجابة الثالثة ، وهو أنَّ ضعف الإعلام هو السبب في فتور المسلمين نحو القضية، فيمكن القول من نفس المنطلق أن ضعف الإعلام نابع من الخلل في حُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا إذا استقر الأمر على أن هناك خللاً في حُبِّ الأمة الإسلامية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعزمنا على إصلاح الخلل، وأن نقدِّمه صلَّى الله عليه وسلَّم على أنفسنا وأموالنا وأبنائنا، فماذا عسانا أن نفعل لكي نكون قد أدَّيْنا واجبنا نحوه؟ والاجابة باختصار شديد  أن نتعلم كيف نحب رسول الله حباً حقيقيا ومن ثم نبدأ الدفاع عنه .
لكن لا بد أن نعرف وسائل هذا الدفاع، ولكن قبل أن نعرف هذه الوسائل لابد من معرفة من الذي يهاجم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وبالتالي نستطيع أن ندافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالطريقة السليمة.
وفي تخيلي أن الذين يهاجمون الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أحد ثلاثة: إمَّا حاقد عليه، أو جاهل به، أو مفتون بحال المسلمين.
وبتصوري أن الحاقدين ليسوا بهذه النسبة الكبيرة؛ لأن معظم هذه الشعوب لا تعرف الرسول صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أن الاستبيانات والأسئلة التي تأتي على الانترنت كلها أو معظمها يشير إلى محاولة أن يعرف هؤلاء من هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعل أكثر الأسئلة اشتهارًا على الإنترنت بعد إيذاء الصحف الدنماركية في 2005 كان "مَنْ محمدٌ؟" فالناس لا تعرف الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وتريد أن تعرفه.
لكن لاشكَّ أن هناك طائفةً من الحاقدين تهاجم الرسول صلى الله عليه وسلم عن علم، وهذه الطائفة موجودة منذ بُعِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم "وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ"(الزخرف:6،7) فهي سُنة إلهية، وكانت هذه الطائفة موجودة دائمًا، ولكن عند مراجعة أسماء هؤلاء المستهزئين في فترة مكة من عبدة الأصنام أو الوثنين تجد أنهم كانوا يمثلون بالإحصاء عددً قليلاً من المشركين في مكة أو في الجزيرة العربية بصفة عامة، ويأتي على رأس أكابر المجرمين هؤلاء كما سماهم ربنا في كتابه: أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث.
لكن عموم الناس ما كانت تتولى الأمر عن رغبة صادقة في محاربة الدعوة الإسلامية ولكنها كانت تتبع أمراءها من القادة والشعراء، وهذا هو الحال في زماننا.
لو سألت في الشارع الغربي عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: ماذا تعرف عنه؟
لعلَّ أقلَّ القليل هو من يجيب عن هذا السؤال، وقد لا تتجاوز الإجابة السطر أو السطرين، وهذا السطر أو السطرين لعله يكون مغلوطًا في المعنى أو في الفهم؛ فلذلك أرى أن هذه الطائفة - طائفة الجاهلين - كبيرة.
وكذلك هناك طائفة ثالثة من الذين يهاجمون الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم هي طائفة المفتونين بحال المسلمين وبتخلف المسلمين، هؤلاء هم الذين ينظرون إلى حال المسلمين، ويقولون: لو كان الإسلام دينًا صحيحًا، ولو كان محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) قائدًا حكيمًا لهذه الجموع الضخمة من البشر لكنَّا قد وجدناهم ينتجون ويبرعون ويتفوقون في مجالات الحياة المختلفة، أمَّا أن يكون غالب أتباع هذا الرجل من المتخلفين، والأميين، والمتراجعين حضاريًا، والمهزومين عسكريًا واقتصاديًا وعلميًا في كل المجالات فهذا يعني – عند هؤلاء المفتونين – أن هذا الدين غير صحيح.
إنه من المؤسف أنه حتى المجالات الأخلاقية نجد انهيارًا واضحًا في الدول الإسلامية فيها؛ فعلى سبيل المثال تقارير الشفافية - التي تُبْنى على حساب درجات الرشوة والفساد المالي والإداري والمحسوبية والوساطة – تحتل دول العالم الإسلامي فيها مراتب متدنية؛ مما يشير إلى أن أتباع هذا الدين يقعون في أخطاء كثيرة وصلت بهم إلى هذه الحالة المتدنية.. وعندما ينظر أهل أوروبا أو غيرها من دول العالم إلى هذه الحال المتردية التي وصل إليها المسلمون؛ يقولون: إنه من المستحيل أن الدين الذي ينتمي إليه هؤلاء  أو القائد الذي يقودهم على خير أو على صلاح؛ فيُفتَنُون بهذه الحال، وبالتالي لا يقرءون عن الإسلام، وإن قرءوا فإنه من السهل أن يتقبلوا المطاعن التي تُذكَر في هذا الدين على ألسنة محركيهم وإعلامييهم وقادتهم وساستهم، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى: "رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (يونس: 85)، أي  أن لا تصل حالنا إلى درجة من التردي نصبح عامل صدٍّ للكافرين عن الدخول في دين الإسلام.
إذا عرفنا الآن أن الذين يهاجمون الإسلام هذه الطوائف الثلاثة الحاقدين والجاهلين والمفتونين لاشك أن طريقة الدفاع عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ستختلف باختلاف الذي يهاجم؛














فالحاقد يعلم الحقيقة وينكرها، ويهاجم عن علم، وفي قلبه حقد وحسد لهذا الدين، وهذا لابد له من وقفة صلبة؛ فيمكن معه طرد السفراء، والمظاهرات العارمة، والمقاطعة الاقتصادية، والملاحقات القضائية في القضاء الدولي، والردود الإعلامية القوية على ما يفعلونه، وإيضاح أن العالم الإسلامي كله واقف وقفة واحدة للدفاع عن هذا الرسول العظيم؛ مما سيلقي الرهبة والرعب في قلوب من يهاجم، وبالتالي يفكِّر كثيرًا بعد ذلك قبل أن يهاجم.
 أمَّا الطائفة الثانية، وهي طائفة الجاهلين به؛ فهي لا تحتاج إلى كل هذه الهجمة الإسلامية للدفاع عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنها تحتاج ببساطة إلى تعليم.. تحتاج إلى أن تعرف ببساطة حقيقة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وذلك يستوجب أن نصل إليهم بلغتهم، وفي إعلامهم، وبكل الطرق التي نستطيع أن نصل بها إليهم، وبالوسائل التي يفهمونها، وبالمعلومات المناسبة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، ليعلموا أخلاقه، ويعلموا تواضعه، ويقرءوا ويسمعوا عن عفوه وعدله ورحمته، وعن أنه كان رجلاً شاملاً يقود دولة، ويقود جيوشًا، ويحكم بين الناس بالعدل، ويربي ويقود، ويتعبَّد لله عز وجل خير العبادة ومتفوق ومبدع في كل مجالات الحياة، وما من خُلُق إلا وصل إلى قمته، كل ذلك في آنٍ واحد، وبالتالي أفتح أمام هذه الجموع الهائلة الباب لأن تلتحق بهذا الدين العظيم، وما أكثر الذين التحقوا بهذا الدين بعد ظهور الرسالة، وكانوا أصلاً من الجاهلين بالرسول صلى الله عليه وسلم!! مثل أهل فارس وشمال أفريقيا والأندلس وغيرها من بقاع العالم الكثيرة التي دخلت في الإسلام.
أمّا الطائفة الثالثة فهي طائفة المفتونين بحالة التخلف التي وصل إليها المسلمون؛ فلابد أن يتقدَّم المسلمون في كل المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية وقبل ذلك وبعده الأخلاقية؛ حتى يصبحوا خير قدوةٍ لهؤلاء، وخير دعاة لهذا الدين بالعمل وليس بالكلام فقط، وبالتالي ينبهر الغربيون والشرقيون وغير المسلمين بصفة عامة بحال المسلمين المتفوق والمتقدم، وساعتها سيبحثون ويتساءلون:
لماذا تقدم هؤلاء؟
ولماذا يبدع هؤلاء في مجال الأخلاق؟
ولماذا يتراحم هؤلاء؟
ولماذا يتحد هؤلاء؟
ولماذا؟ ولماذا؟ وأسئلة كثيرة عن الأشياء الطيبة التي تبهر الآخرين، وبالتالي يبحثون عن هذا الدين الذي دفعهم إلى هذا الرُّقِي، ويكون هذا سببًا بإذن الله في إسلامهم، أو على الأقل تحييد صفهم، ومنعهم من التعدي على مقدسات المسلمين؛ سواء الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من المقدسات المختلفة عند الأمة الإسلامية؛ لذلك نستطيع أن ندافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة منهجية تناسب العدوان الكبير الذي تم.


تفسير سورة القدر - للشيخ الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا
مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعدُ:
وربك يخلق ما يشاء ويختار:
خلق الله السماوات سبعًا، واختار السماء السابعة منها فكرَّمها وشرفها على سائر السماوات، واختصها بالقرب منه سبحانه.

وربك يخلق ما يشاء ويختار، وخلق الله الجنان - اللهم اجعلنا من أهل الجنان؛ لأنها ليست جنة بل جنان - واختار جنة الفردوس من بين هذه الجنان، فكرمها وشرفها وفضلها على سائر الجنان، فجعل عرشه فوقها.

وربك يخلق ما يشاء ويختار، وخلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة: نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا، واصطفى من أولي العزم الخليلين الحبيبين إبراهيم ومحمدًا، ثم اصطفى محمدًا ففضله على سائر الخلق. 

وربك يخلق ما يشاء ويختار، وخلق الله الشهور واصطفى شهر رمضان فكرمه على سائر الشهور، وخلق الله الأيام واصطفى يوم عرفة ففضله على سائر أيام العام، واصطفى يوم الجمعة ففضله على سائر أيام الأسبوع، وخلق الله الليالي واختار ليلة القدر فشرفها وكرمها وفضلها على سائر الليالي، اسمع إلى مولانا - تبارك وتعالى - يقول:
 


بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5]. 
 
وَللهِ   فِي   الْعَشْرِ   الْأَوَاخِرِ   لَيْلَةٌ        لَقَدْ عَظُمَتْ قَدْرًا كَمَا مُلِئَتْ خَيْرًا
فَطُوبَى  لِقَوْمٍ  أَدْرَكُوهَا  وَشَاهَدُوا        تَنَزُّلَ  أَمْلاَكِ   السَّمَا   آيَةً   كُبْرَى
فهي ليلة عظيمة القدر عند الله، وإنها لخسارة كبرى أن ينقضي شهر رمضان فلا يُدخلنا الفردوس الأعلى، وإنه لخسارة فادحة علينا أن ينقضي شهر الصيام ولا نُنقَّى من ذنوبنا كما ينقَّى الثوب من الدنس، وإنها لمصيبة عظيمة أن يخرج شهر الصيام من بيننا ويرحل ولا تكون نفوسنا أنقى من ثلج الصباح.


بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5].

تناسب السورة مع ما قبلها وما بعدها:أهل العلم عمومًا، وأهل التفسير على وجه أخص، قد اعتنوا بعلم المناسبات القرآنية، سواء في ذلك التناسب بين السور بعضها مع بعض، أم التناسب بين الآيات، وبنَوا على هذا قاعدة مفادها: أن الأصل في آيات القرآن الكريم أن يكون بينها تناسب وترابط، يظهر في أغلب الأحيان، ويخفى في أحيان أخرى، لكن يمكن كشفُه بمزيد تأمُّل وتفكر.

والإمام السيوطي يقرر قاعدة مفادها: أن كل سورة من سور القرآن تفصيل لإجمال السورة التي قبلها، وشرح لها، وهذا في غالب سور القرآن، كما دلَّ على ذلك الاستقراء.

وهنا في (سورة القدر) فقد سُبقت بـ (سورة العلق) وبعدها بـ (سورة البينة).

في آخر (سورة العلق) يقول الله - تعالى -: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]،وتأتي بعدها {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، وهذه الليلة هي ليلة السجود والاقتراب، فالمناسبة واضحة ظاهرة مع آخر آية من السورة التي قبلها، كما أن (سورة العلق) تبدأ بقوله - تعالى -: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، وهو يقرأ ما أُنزل في ليلة القدر، فكأن السورة تقول اقرأ ما أنزلناه في ليلة القدر، فهي مناسبة ظاهرة مع ما قبلها في بدايتها وفي نهايتها.

أما مناسبة السورة مع السورة التي بعدها وهي (سورة البينة)، نلاحظ في هذه السورة في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} ذكر ضمير المنزِل {إِنَّا}، وضمير المنزَل الهاء في {أَنْزَلْنَاهُ} الذي هو القرآن، لكن لم يصرح لا بالمنزِل ولا بالمنزَل {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}، وفي آيات (سورة البينة) بيَّن هذا الضمير ضمير المنزِل ووضح المنزَل عليه، فقال: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 2، 3] {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} هو المنزَل عليه، و{اللَّهِ}  المنزِل، إذن بيَّن ضمير المنزِل بـ {اللَّهِ}، والهاء في {أَنْزَلْنَاهُ} في {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}، الصحف المطهرة هي القرآن، رسول يتلو الصحف المطهرة التي هي القرآن الكريم الذي أنزلناه، وضَّح المنزَل عليه {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ}، وذكر المنزِل وبيّنه بعد أن كان ضميرًا {مِنَ اللَّهِ}، والصحف المطهرة - أي القرآن -الهاء في {أَنْزَلْنَاهُ}، فإذن (سورة البينة) بيَّنت الضمائر التي في (سورة القدر)، وهو تناسبٌ جميل حتى في الاسم (البينة)؛ فهي بيَّنت هذه الضمائر، فإذن مناسبتها لما بعدها وما قبلها ظاهرة.

التفسير:
{إِنَّا}: بمعنى نحن، وهي ليست للكثرة بل للعظمة، فلم يقل: أنا أنزلته، إنما قال: إنَّا، فالمولى يتكلم بأسلوب العظمة، ولا أعظم من الله، فله العظمة كلها، وحتى لا يُفتح باب للشرك، فيتوهم البعض في {إِنَّا} أكثر من واحد، جاء بعدها بصيغة الإفراد في قوله {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}.

{أَنْزَلْنَاهُ}؛ أي: القرآن العظيم، ولم يقل الله - تبارك وتعالى -: إنَّا أنزلنا القرآن في ليلة القدر، إنما قال: {أَنْزَلْنَاهُ}؛ لأن القرآن ليس في حاجة إلى بيان؛ لأنه أبين من البيان، وأوضح من الشمس في رابعة النهار، هو البحر في عطائه، وهو النهر في صفائه، وهو القمر في بهائه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

هو القرآن العظيم، كرمه الله وشرفه، فأنزله في ليلة ذات قدر؛ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، وكرَّم البلد الذي نزل فيه؛ فقال سبحانه: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 3]، وأكرم الملك الذي نزل به، فقال سبحانه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19-21]، وأكرم النبي الذي نزل عليه، فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، إذًا فأنزلناه يعني القرآن الكريم.

هل نزل القرآن في ليلة أم في 23 سنة؟:
هنا نطرح سؤالاً واستفسارًا: كم كان عمر النبي عندما نزل عليه القرآن؟ كان عمره 40 سنة، وكم كان عمر النبي عندما مات؟ 63 سنة؛ أي إن فترة الرسالة المحمدية كانت 23 سنة؛ أي: إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان نبيًّا لمدة 23 سنة؛ أي إن فترة استمرار نزول القرآن الكريم كانت 23 سنة، بدأت بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، وانتهت بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3]، أو قوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، إذًا القرآن نزل في 23 سنة، فكيف يقول لنا القرآن: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} في ليلة واحدة؟ كيف نزل في ليلة واحدة، وهو فعليًّا نزل في 23 سنة؟

الإجابة: للقرآن الكريم ثلاثة وجودات ونزولان:
1- الوجود الأول: كان القرآن موجودًا في بادئ الأمر في اللوح المحفوظ، يدل على ذلك قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22]، واللوح المحفوظ هو أيضًا الكتاب المكنون في قوله - تعالى -: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 77، 78].

وهنا ينبغي علينا أن نعرف ما هو اللوح المحفوظ؟اللوح المحفوظ هو السجل العام الذي كتب الله - عز وجل - فيه في الأزل ما كان وما هو كائن وما سيكون، والواجب علينا أن نؤمن بوجود اللوح المحفوظ لوروده في القرآن الكريم، أما شكل وهيئة ومادة هذا اللوح المحفوظ، وعلى أي حال هو؟ وكيف دوِّنت فيه الكائنات؟ وبأي قلم تمَّ التدوين؟ فلم يرد في القرآن والسنة الصحيحة شيء في هذا، فكل هذا من الأمور الغيبية التي لا يعلمها البشر ولا ينبغي البحث فيها، لعدم ضرورتها في أمر من أمور العقيدة، فلو كان الله - عزَّ وجلَّ - يريد أن يعلمنا إياها لأخبرنا بها.
ومعنى اللوح المحفوظ؛ أي: المحفوظ عن استراق الشياطين، محفوظ عن التغيير والتبديل، وهو كتاب مكنون؛ أي: مصون محفوظ عن الباطل.

2- النزول الأول: فبعد أن كان في اللوح المحفوظ نزل القرآن إلى السماء الدنيا جملةً واحدةً في ليلة واحدة، والدليل على ذلك قوله - تعالى -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]، وتسمى هذه الليلة المباركة بليلة القدر؛ كما في آية (سورة القدر) {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، وهي من ليالي شهر رمضان، كما في آية (سورة البقرة): {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
3- الوجود الثاني: الوجود الثاني للقرآن هو استقراره في بيت العزة في السماء الدنيا، وهو مكان في السماء الدنيا نزل فيه القرآن النزول الأول من اللوح المحفوظ كاملاً، وحفظ فيه حتى ميعاد النزول الثاني، وقد يكون سبب تسميته ببيت العزة أنه يعز ويصعب على من يحاول اختراقه والعبث بمحتواه، والله أعلم.
4- النزول الثاني: بقي القرآن محفوظًا في الصحف المرفوعة المطهرة، حتى شاء الله لقرآنه أن ينزل، فيملأ أرجاء الأرض حكمة ونورًا، يبدد الظلمات على يد سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصادق الأمين، ليكون معجزته الكبرى الباقية إلى آخر الزمان، فأنزل الله - تعالى - القرآن مفرقًا حسب الوقائع والأحداث وحاجات الناس.
بذلك تمَّ تفضيل القرآن على غيره من الكتب السماوية السابقة، بأن جمع الله له النزولين: النزول جملة واحدة كسائر الكتب المنزلة قبله، والنزول مفرقًا تشريفًا للمنزل عليه.  
5- الوجود الثالث: وهو وجود القرآن على الأرض محفوظًا بعناية الله، إلى أن يرث الأرض ومن عليها؛ كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

الخلاصة:
إذًا؛ لمّا يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ} يقصد في حالته الأولى، والذي هو من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة، قبل أن ينزل على قلب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – متفرقًا؛ {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] على ترتيل هادئ بطيء متتابع، ولذلك ربنا يقول للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: لا تخف؛ {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16]، لماذا؟ قال: لأنني أعدك بثلاثة أمور؛ الأول: أن أجمع هذا القرآن في صدرك فلا تنساه؛ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ} [القيامة: 17] والثاني: أن أعلمك كيف تقرأه للناس؛ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} [القيامة: 18]، والثالث: أن أعلمك كيف تفهِّمه وتبيِّنه للناس؛ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19].

والوجه الثاني: أن القرآن ابتدئ نزوله في ليلة القدر، فقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ أي: إنَّا أنزلنا أوله في ليلة القدر، كما تقول: وصل الحجيج، مع أن هناك حجيجًا وصلوا الآن وحجيجًا سيصلون بعد شهرين، فقوله: وصل الحجيج في يوم كذا وكذا؛ أي: بدأ وصولهم يوم كذا وكذا.

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}:
{لَيْلَةِ}: لماذا الليل بالضبط؟ لِمَ لَم يقل: نهار القدر أو يوم القدر؟ إنما قال: {لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ لأن الليل هو زمن الصالحين القائمين الراكعين الساجدين، لأن الليل زمن السكينة والهدوء والصفاء والنقاء.

كان لأحد الصالحين أمة صالحة، كلَّما استيقظ من الليل وجدها تصلِّي، فقال لها: يا أمة الله، ألا تنامين؟ قالت: يا سيدي، كيف ينام من عرف أن حبيبه لا ينام؟!
فَإِذَا مَا اللَّيْلُ أَسْدَلَ سِتْرًا        فَإِلَى رَبِّهَا تَحِنُّ  الْقُلُوبُ
ولذلك قال المولى - جلَّ في علاه -: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6]، وقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، وقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 26]، وقال - عزَّ وجلَّ - في صفة الصالحين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].

فالليل هو أنسب زمن للتجليات والنفحات والفيوضات الربانية، وهو صنو الصفاء والنقاء والهدوء.

{الْقَدْرِ}: كلمة القدر لها ثلاثة معان: 
1- بمعنى الشرف والمكانة، ليلة القدر؛ أي: ليلة التشريف والمكانة العالية. 
2- القدر؛ أي: التضييق، {لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ أي: ليلة التضييق، قدَّر الشيء؛ أي: ضيقه، ومنه قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ} [الفجر: 15، 16]؛ أي: فضيَّق، ونحو قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: 30]؛ أي: يضيِّق.

لماذا سميت ليلة القدر ليلة التضييق؟ قالوا: سميت بذلك؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرة نزولهم في هذه الليلة؛ لأن الله ينادي على الملائكة، فيقول لهم: هل تذكرون عندما أردت أن أخلق خليفة في الأرض، قلتم: أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ انظروا إليهم هذه الليلة ما بين ساجد وراكع، فينزل الملائكة إلى الأرض، فلا يبقى موضع قدم إلا وفيه ملك يسبح الله ويستغفر للمؤمنين.

3- القدر التقدير، {لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ أي: ليلة التقدير والحكم، الليلة التي تحدَّد فيها المقادير ومصائر الناس، ألم يقل الله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وتقول: قدَّر الله وما شاء فعل، والدليل على ما قلناه: ما نقله الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" عن عبدالله بن عباس قال: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج، يقال: يحج فلان ويحج فلان، انتهى، ثم يسلم ذلك إلى مدبرات الأمور وهم أربعة من الملائكة، جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت؛ قال تعالى: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 4، 5]، المدبرات: مدبرات الأمور الأربعة: جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، وروي عن ابن عباس: أن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان، ثم يسلِّمها إلى أربابها في ليلة القدر؛ قال الله تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 1-5].

إذًا؛ ليلة القدر هي ليلة يقدِّر الله - جلَّ وعلا - فيها مقادير الخلائق مما يكون في العام؛ لأن التقادير أنواع: 
أ‌- التقدير الأزلي: فمنها تقدير قدَّرَه الله - جلَّ وعلا - قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ كما ثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ب‌- التقدير العمري: ثم قدَّر الله - جلَّ وعلا - على العبد التقدير العمري، وذلك أنه إذا كان في بطن أمه، وتمَّ له مائة وعشرون يومًا، بعث الله - جلَّ وعلا - الملك، فنفخ فيه الروح، ثم كتب رزقه وعمله وأجله، وشقيًّا أو سعيدًا، وهذا التقدير العمري لكل إنسان. 
ج‌- التقدير الحولي: ثم بعد ذلك يأتي التقدير الحولي، وهو الذي ينزله الله - جلَّ وعلا - في ليلة القدر؛ قال الله - تعالى -: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 1-5]. 
د- التقدير اليومي: ثم بعد ذلك يأتي التقدير اليومي، وهو ما يحدثه الله - جلَّ وعلا - في اليوم؛ كما قال - جلَّ وعلا -: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}:
{وَمَا أَدْرَاكَ}: أسلوب استفهام يدل على التفخيم والتعظيم، ما أدراك؟ هذا سؤال الغرض منه التشويق ولفت الانتباه، وفيه تعظيم وتفخيم لشأن ليلة القدر، إنك إذا ما سمعت القرآن يقول: وما أدراك؟ فاعلم أن القضية عظيمة والخطب جلل والهول مروع؛ ولذلك يستعمل في الآخرة كثيرًا: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1-3]، {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر: 26، 27]، {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 11، 12].

إن لفظ: (ما أدراك) إذا ما سمعته من كتاب الله، فاعلم أن الأمر عظيم وهائل جدًّا، ولذلك قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِما شأنها؟ ما سرُّها؟ ثم يجيب المولى عن سؤاله، فيقول: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}:
وما أدراك ما ألف شهر؟! إنه بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولكن هذا العدد ليس مقصودًا، لما يقول: ألف، لا يعني ألفًا محصورة، وإنما للمبالغة؛ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، إن (السبعين) إنما ذكرت حسمًا لمادة الاستغفار لهم؛ لأن العرب تذكر السبعين في أساليب كلامها للمبالغة، ولا تريد التحديد بها، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها، وذكر ابن كثير: وقيل: بل لها مفهوم، كما روى العوفي عن ابن عباس: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لما نزلت هذه الآية: أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة، لعل الله أن يغفر لهم، فقال الله من شدة غضبه عليهم: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 6].

فليلة القدر خير من العمر كلِّه، روى الإمام مالك: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألاَّ يبلغوا من العمر مثل ما بلغ مَن قبلهم من العمل لطول أعمارهم، فأنزل الله عليه ليلة القدر لتكون بدلاً عن ألف شهر، تقاصر النبي أعمار أمته؛ لأن غالب أعمار أمته ما بين الستين والسبعين، أما الأمم قبله فكانوا يعمرون مئات من السنين؛ كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلُّهم من يتجاوز ذلك))، فعوض الله ما نقص من أعمارهم عليهم بليلة القدر.

تحديد الليالي التي فيها ليلة القدر:هي في العشر الأواخر من رمضان، فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان رحيمًا بأمته، فقال - كما في الحديث الذي رواه البخاري من حديث عائشة، رضي الله عنها - : ((تحرَّوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان))؛ أي: ليلة 21، 23، 25، 27، 29.

والنبي خرج ذاتَ يوم ليخبر الصحابة بليلة القدر على وجه التحديد؛ كما في "صحيح البخاري" من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فرفعت، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة أو السابعة أو الخامسة)).

والإمام القرطبي - رحمه الله - يقول: أكثر أهل العلم على أنها ليلة سبع وعشرين؛ لما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث زرِّ بن حبيش - رحمه الله - قال: قلت لأُبي بن كعب: إن أخاك عبدالله بن مسعود يقول: من يَقُم الحول يصب ليلة القدر - أي: من يقوم الليل خلال السنة كلها يصيب ليلة القدر - فقال أُبي بن كعب: يرحم الله أبا عبدالرحمن، والله إنه ليعلم أي ليلة هي، ولكن أراد ألا تتكلوا - يعني: ابن مسعود يعرف أنها ليلة سبع وعشرين، لكن أراد من الناس أن يقوموا السنة كلها لا ليلة سبع وعشرين فقط - والله الذي لا إله غيره إنها ليلة سبع وعشرين، قلت له: بأي شيء تقوله؟ فقال: بالعلامة التي قالها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن الشمس تخرج في صبيحتها ولا شعاع لها))؛ يعني: تخرج باهتة.

وقالوا في القديم: (ليلة القدر) تسعة أحرف تكررت ثلاث مرات في هذه السورة، وإذا ضرب العدد (9) - وهو مجموع أحرف كلمتي (ليلة القدر) – في العدد (3) - وهو مجموع المرَّات التي تكررت فيها الكلمتان في السورة - فيكون المجموع (27) حرفًا، 9 × 3 = 27، قالوا: لعل أرجى ليلة هي ليلة السابع والعشرين، هكذا ذكروا في القديم.

وقالوا: لو أننا استعرضنا عدد مقاطع وكلمات (سورة القدر)، لرأيناها ثلاثين كلمة، وكلمة {هِيَ} في قوله: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، قالوا كلمة {هِيَ} تقع في المرتبة السابعة والعشرين، عدّ معي أخي المسلم: {إنا}1، {أنزلناه}2 ، {في}3، {ليلة}4، {القدر}5، {وما}6، {أدراك}7، {ما}8، {ليلة}9، {القدر}10، {ليلة}11، {القدر}12، {خير}13، {من}14، {ألف}15، {شهر}16، {تنزل}17، {الملائكة}18، {والروح}19، {فيها}20، {بإذن}21، {ربهم}22، {من}23، {كل}24، {أمر}25، {سلام}26، نقف هنا فنرى العدد قد بلغ ستة وعشرين كلمة، ثم تأتي كلمة {هي} العائدة إلى ليلة القدر لتحتل المرتبة السابعة والعشرين، وقالوا أيضًا: لعلها إشارة إلى أنها تُرجى في هذه الليلة؛ الليلة السابعة والعشرين، ولكن لا يثبت بهذا حكم، وإنما هي من باب إيجاد مناسبات، وهي كما قال ابن عطية: من ملح التفسير، وليس من متين العلم.

ومع هذا أخفيت عنَّا حتى نتعرَّض لنفحات الله - تعالى - في كل ليلة من ليالي العشر، وقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدَّ المئزر، واعتكف الليالي، ولم ينم حتى مطلع الشمس؛ كما ثبت في "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر.

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}: 
ما هي الروح؟ للعلماء فيها سبعة أقوال؛ قيل: إنها أرواح بني آدم، وقيل: إن الروح خلق لا يعلمه إلا الله، والذي عليه الأكثرون: أن الروح هو جبريل - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أطلق عليه روحًا في قوله - تعالى -: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]، وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102]، فإن قيل: إن جبريل داخل في الملائكة في قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ}، فلماذا نصَّ على الروح - على تفسير الروح بجبريل - مرة ثانية؟ فالجواب: أن هذا من باب عطف الخاص على العام؛ لبيان أهمية ذلك الخاص، وفضل ذلك الخاص، فعطف الخاص - وهو الروح الذي هو جبريل- على العام وهم الملائكة؛ وهذا لبيان شرف جبريل - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما بيَّن شرف أولي العزم من الرسل في قوله - تعالى -: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]، فمحمد رسول الله، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم من النبيين، ولكن نصَّ عليهم بالذكر لبيان شرفهم؛ وكما قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء: 163]، فكل هؤلاء من الأنبياء، وذكروا مرة ثانية لبيان شرفهم، وهنا ذكر الروح - مع أن الروح من الملائكة- لبيان شرف جبريل، فجبريل ذو شرف وذو فضل كبير، وقد ذكر شرفه وذكرت فضائله في عدة آيات من كتاب الله؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97، 98]، وقال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وقال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20]، وهو جبريل - عليه الصلاة والسلام - فله قوة وله مكانة عند الله - سبحانه وتعالى - {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21]؛ أي: مطاع هناك في الملأ الأعلى، يطيعه أهل السماء، {أَمِينٍ}؛ أي: أمين على الوحي، فكل هذه مناقب لجبريل - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالملائكة تتنزل، وينزل مع الملائكة جبريل - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذه الليلة؛ {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}، فهو منظرٌ مهيب، ومشهد عجيب، وأمر عظيم، ألا وهو نزول الملائكة إلى سماء الدنيا ومعهم جبريل سيدهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو منظر مهيب، ومشهد عجيب، وإن كنَّا لا نراه؛ {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}؛ أي: إن نزول الملائكة لا يكون ارتجالاً منهم، فهم لا يتحركون إلاَّ إذا أذن الله لهم في ذلك، وقد قال الرسول لجبريل: ((ما يمنعك أن تأتينا أكثر مما تأتينا؟ فأنزل الله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، فقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}، يفيد أن نزول الملائكة لا يكون باختيارهم، إنما هو بإذن ربهم.

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}:
{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}: ما المراد بها؟ {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}: من العلماء من فسَّرها على أساس ارتباطها بما قبلها، ومنهم من فسَّرها على أساس ارتباطها بما بعدها، فمن فسرها على أساس ارتباطها بما قبلها قرأ: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} ووقف، قال: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}؛ أي: بكل أمر، وأحرف الجر تتناوب، فإن (الباء) قد تأتي بمعنى (مِن)، و(مِن) تأتي بمعنى (الباء)، فأحرف الجرِّ تأخذ معاني بعضها، فقالوا: المعنى: أن الملائكة تتنزل بكلِّ أمر؛ أي: بكلِّ أمر قضاهُ الله وأراده وحكم به؛ أي: إن الملائكة تنزل في هذه الليلة، وهي تحمل أمر الله - سبحانه - الذي أراده وقضاه، وتنزله إلى الدنيا في هذه الليلة: قضى ربُّك في هذا العام كذا وكذا، أثبت الله في هذا العام لفلان وفلان السعادة ولفلان وفلان الشقاوة، أثبت الله لفلان رزقًا وأجلاً، فتتنزل الملائكة في هذه الليلة بهذه الأقدار التي قدرها الله، والأحكام التي حكمها الله، والأوامر التي أمر بها الله، فقوله سبحانه: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}؛ أي: بكل أمر قضاه الله وحكم به وأمر به، هذا على ربط الآية بما قبلها.

وبعض العلماء ربطها بما بعدها فقال: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}، وانتهى الكلام، وبدأ كلامًا جديدًا: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ}؛ أي: هي سالمة من كل أمور الشر، فليس في هذه الليلة إلا الخير؛ أي: إنها سالمة آمنة، فلا تتنزل مع الملائكة الشياطين، إنما ينزل - فقط - الملائكة، فتختفي الشياطين وتبتعد، ولا يأتي الباطل ولا الشيطان في هذا الوقت، بل هي سالمة آمنةٌ، فالملائكة إذا نزلوا فرَّت الشياطين، ومن ثمَّ جاء في الحديث المرسل: ((ما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر في مثل يوم عرفة، إلاَّ ما كان منه يومَ بدر، قيل: وماذا رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: رأى جبريل يَزَعُ الملائكة - أي: يصفُّ الملائكة - فهرب واندحر، فعندما تتنزل الملائكة تبتعد الشياطين وتهرب، فيحصل الأمن، ويندحر الباطل، فهذا على ربط الآية بما بعدها: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ}؛ أي: هي سالمة من كلِّ الأمور، سالمة آمنة، لا يأتي فيها الباطل، ولا يتنزل فيها الشيطان.

قال الله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}: 
قوله: {سَلَامٌ هِيَ}؛ أي: لا يستطيع الشيطان أن يتصرف فيها بسوء، ولا أن يصيب أحدًا بأذى؛ لأنها ليلة سالمة من الآفات، وسالمة من البلايا والرزايا، قال بعض أهل التفسير: المراد تسليم الملائكة على المؤمنين؛ أي: إنهم ينزلون، فيسلمون على المؤمنين في مساجدهم واحدًا واحدًا.

{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}؛ أي: هذه الليلة تنتهي بطلوع الفجر، وهل هذه الليلة فيها استتباع؟ أي: هل يتبعها اليوم الذي بعدها، أو اليوم الذي قبلها؟ لم يرد شيءٌ في ذلك عن رسول الله، والاستتباع كيوم عرفة، فإنه تتبعه الليلة التي بعده، فمثلاً: الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقف بعرفات إلى أن غربت الشمس، وبعد أن غربت الشمس بدأ في الإفاضة إلى مزدلفة، لكن هب أن شخصًا جاء ووصل إلى عرفات في منتصف الليلة التي انطلق فيها الرسول إلى مزدلفة، والرسول ذهب إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، فلو جاء شخص بعد خروج الرسول بست ساعات أو بسبع ساعات ووقف بعرفات، فوقوفه بعرفات صحيح إذا أدرك مزدلفة قبل الفجر، فيوم عرفة تتبعه الليلة التي بعده؛ لأن عروة بن مضرس قال: يا رسول الله، أتعبت نفسي، وأكللت راحلتي، وما تركت جبلاً إلا وقفت عليه، فقال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من شهد معنا صلاة الفجر بمزدلفة، وكان قبل ذلك وقف ساعة من ليل أو نهار بعرفات، فقد أتمَّ حجه، وقضى تفثه، وأتمَّ نسكه))، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - لكن ليلة القدر ليس فيها استتباع؛ لأن الآية قطعت ذلك بقوله - تعالى -: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، لكن هل اليوم الذي قبلها يدخل فيها؟ ليس في هذا خبرٌ عن النبي - عليه الصلاة والسلام.

وبعدُ:
أيها الإخوة الصائمون، هذا هو شهر رمضان يجمع خيامه، ويطوي أسفاره، ويحمل أمتعته ورحاله، ويلوح لنا بتحية الوداع، فهو سيرحل خلال ثلاثة أيام من ديارنا، فهل اتقيتم الله فيه وقمتم بحقوقه وحافظتم على آدابه؟ هل أحسنتم التعامل مع الله وخلق الله فيه؟ هل استنارت قلوبكم فيه بعد ظلمة العصيان؟ هل تهذَّبت بالصيام نفوسكم وقويت عزيمتكم؟ هل عرَفتم مقدار النعمة بفقدها، فشكرتم الله عند وجودها؟ انقضى شهر العبادة، فهل أحييته بالعبادة؟ انقضي شهر القرآن، فهل اشتغلت فيه بتلاوته؟ انقضى شهر صلة الأرحام، فهل وصلت فيه قريبًا أو جبرت بعيدًا؟ انقضى شهر البرِّ والإحسان، فهل أكرمت فيه يتيمًا أو أرملة أو سائلاً أو محرومًا؟ انقضى شهر العفو والصفح، فهل عفوت فيه عمَّن ظلمك، أو صفحت عمَّن أساء إليك؟ انقضى شهر التوبة، فهل صرت من التائبين المقبولين المتطهرين؟ هل تبت إلى الله من جميع ذنوبك؟ هل أنبت إليه؟ هل عزمت على دوام الطاعة بعد شهر رمضان كما كنت فيه؟ كيف يرجو الخير في هذا الشهر من أطلق لسانه بالكذب والغيبة والنميمة، ولم يستح من خالق الأرض والسماوات؟! كيف يحسب من المقبولين المرحومين، من إذا جنَّ عليه الليل اشتغل باللعب عن الطاعة واستماع القرآن، أو أمضاه في بيوت اللهو وأماكن الفسوق؟! كيف يرجو القبول من ساءت أخلاقه في الصيام، ولم يكن من المتواضعين في ليلة القدر، التي تتنـزل فيها الملائكة بالرحمة والمغفرة والقبول؟! ولكن لا لكلِّ الناس، فرحمة الله قريب من المحسنين دون غيرهم، والمغفرة لمن تحلَّى بصفات فعلية؛ {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، والقبول من شريحة خاصة فقط دون غيرهم، ألم تسمعوا قول الله - عزَّ وجلَّ - حين يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].

أيها الإخوة:
وطِّنوا أنفسكم وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا سجَّلتم في صحائفكم قبل فوات الأوان، فمن أحسن فليتزوَّد من الإحسان وليسأل الله الثبات، فإنه لا يدري بماذا يختم له، وليكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، ومن كان مسيئًا فليتب إلى الله، فالوقت بعدُ لم يفت، وليُتبع سيئاته حسنات في باقي شهر رمضان، وليكثر من قول: يا محول الأحوال حول حالي إلى أحسن، قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله، إذا وافقت ليلة القدر، فماذا أقول؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحبُّ العفو فاعف عني))، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنَّا، اللهم أعتق رقابنا من النار بفضلك وكرمك يا عزيز.



جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة الخزنوي| إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : مستر ابوعلى